الأمن الغذائي.. أولوية المرحلة القصوى

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

أسعار السلع الاستهلاكية ترتفع بشكل كبير، وهي قابلة للارتفاع الجنوني كل يوم، نتيجة لعوامل محلية وعالمية مختلفة لا تخفى على أحد، فالحرب الروسية الأوكرانية لا يبدو أنها ستنتهي قريبًا، وسلسلة إمدادات الغذاء تضعف، ودورات التصدير تتراخى، والتضخم يرتفع، ولا يُمكن التنبؤ بالمستقبل، وإذا لم يكن لدينا خطة طوارئ وطنية عاجلة وواضحة وجادة، فإنَّنا سندفع- كدولة وكمواطنين- ثمنًا غاليًا، وإذا لم يكن لدينا اكتفاء ذاتي من السلع الأساسية، فإنَّ ذلك يعني أننا سنكون مرهونين لتقلبات السوق، ومزاجات الموردين، وفي وقت قريب سترفع كل دول العالم شعارًا واحدًا يقول: "نفسي نفسي"، وحينها سنكون أمام خيارات صعبة لا نتوقعها، ولا نحتملها.

وهنا يأتي دور جهاز الاستثمار في المشاريع الاستثمارية الغذائية التي أنشأها أو يشارك فيها، ومدى نجاحه في تلك الاستثمارات، وسيظهر دور وزارة الزراعة والثروة السمكية في تشجيع وتسهيل مشاريع الغذاء، ومنتجات اللحوم البيضاء والحمراء، كما سنحتاج منذ اللحظة إلى "ترشيد" تصدير الأسماك إلى الخارج، وهو المنتج الاستهلاكي الذي يعتمد عليه معظم الناس في سلطنة عُمان، وهو في نفس الوقت القطاع الأكثر فوضوية وإهدارا سواء في الصيد الجائر، أو التصدير غير المنضبط، أو تنظيم السوق المحلي، ولذلك يجب الحفاظ عليه بشكل أكثر حرصا من قبل الحكومة، فهو أحد مصادر قوة الأمن الغذائي لعُمان.

وفي جانب آخر، على الشركات المحلية المنتجة للغذاء عدم استغلال الوضع، وفرض شروطها على المستهلك خاصة في هذه الظروف العالمية الصعبة، ولعلها في ذلك تُراهن على تراجع توريد السلع الغذائية من الخارج قريبًا، لأن كل دولة تتجه لوضع تشريعاتها الخاصة لحماية سوقها الاستهلاكي، وضبط صادراتها تجنبًا لأي فوضى محتملة أو غير محتملة سواء في أسواقها المحلية أو الأسواق العالمية، لذا على الجهات المختصة- ولا أعلم حقيقة ما هي هذه الجهات- ولكن عليها أن تضبط السوق، ولا تسمح بزيادات غير مبررة في الأسعار، كما إن على شركات الغذاء المحلية أن تلتزم بمسؤولياتها تجاه الوطن والمواطن، فاتجاه المستهلك للسلع البديلة المستوردة له عواقب لا تحمد عقباها على "تشجيع المنتج المحلي" الذي تنادي به الحكومة ويلقى دعمًا واسعًا من المستهلك العماني، ولكن وكقاعدة سوق العرض والطلب فـ"المستهلك يتجه للسلع الأرخص".

وفي كل الأحوال، فإن على الدولة أن تتوسع في إنشاء مشاريع الأمن الغذائي، وأن تشجّع عليها، وأن يعي المسؤولون في هذه الجهات أهمية هذه المشاريع، ويعملوا على تسهيل الاستثمار فيها؛ لأنها الركيزة الأساسية التي يُبنى عليها استقرار السوق، وتؤسَس عليها القرارات السيادية، فـ"الدول التي لا تملك غذاءها، لا تملك قرارها"، والغدُ غير قابل للانتظار، أو التأجيل، والعالم يقف على فوهة بركان قابل للثوران في أي لحظة، وتدمير كل من لم يحتط لثورانه.