غلاء الأسعار والأزمات

 

سالم البادي (أبو معن)

 

بعد ما حلَّ الوباء عمَّ الغلاء، والعالم يعج بالأزمات والبلاء، ومن هنا تفاقمت أزمة غلاء الأسعار وخاصة أسعار المواد الغذائية؛ إذ تزايدت خلال جائحة فيروس كورونا مما جعل ارتباطها إلى حد كبير بأحد أبرز تداعيات الجائحة التي تسببت في حدوث أزمات كثيرة في الإمداد وصعوبة تدفق السلع والخدمات بشكلٍ سريع وسهل، وكانت نتيجة أزمة وسائل النقل العالمية وإصابتها بشلل تام، وبسبب انخفاض تصدير المنتجات من الدول المصدرة، وبالذات الغذائية، بحجة زيادة مخزونها من منتجاتها المحلية لمواطنيها وتفادياً لأي نقص قد يطرأ.

وموجة هذا الغلاء ما زالت تجتاح وتعصف بالأسواق المحلية والعالمية، حيث ارتفعت فيها أسعار المواد الغذائية حتى الأساسية ارتفاعاً فاحشاً، وتضاعفت أسعار الخضروات، ومواد البناء، والحديد، والإسمنت، والخدمات الصحية وتكاليف التعليم والنقل ونحوها، وهذا من الأمور التي تضرب القوة الشرائية للفرد، مما أدى إلى إنهاك جيوب الشرائح الاجتماعية من ذوي الدخل المحدود.

فإذا وُجد الجشع والطمع من بعض التجار فلابد من علاجه، وإذا ضعفت المراقبة فلابد من تعزيزها، وإذا تقلّص دعم المواد الأساسية فلابد من زيادته، وإذا كانت الخصخصة في بعض القطاعات هي السبب فلا بد من مراجعة وإعادة النظر فيها.

وبحسب المُعطيات على الواقع تزداد مخاطر هذا الغلاء على المواطنين والمقيمين في بلادنا العزيزة سلطنة عُمان، فضلا عن اقتصاد البلاد، خاصة مع ارتفاع أسعار الطاقة، والحرب في أوكرانيا والتوتر السياسي الكبير السائد بين الاقتصادات الكبرى، وهو وضع يعمّق التفاوت بين الأغنياء والفقراء، ويدفع بالكثير من السكان نحو حافة الفقر.

على المستهلك أن يتأكد أنَّه خط الدفاع الأول عن أمواله ومدخراته واستقراره المعيشي.

دور الحكومة في التصدي والتخفيف من تداعيات الأزمة من خلال مجموعة المقترحات التالية:

أولًا: تخفيض الضرائب ورسوم الخدمات الحكومية على المواطنين.

ثانيًا: المرونة في سوق العمل من خلال توظيف العمال بسهولة وتقليل نسبة الباحثين عن عمل عن طريق منح الإعفاءات الضريبية لتشجيع الشركات على العمل والاستثمار في المناطق ذات الكثافة السكانية وهذا أمر غاية في الأهمية، لأنَّ فقاعة الفقر في هذه الجيوب قد تنفجر وتُهدد السلم الاجتماعي.

ثالثًا: تحديد أسعار السلع الغذائية الضرورية التي يحتاجها المواطن ولا يمكن الاستغناء عنها كالألبان ومشتقاتها واللحوم بأنواعها والخضروات والطحين.

رابعا: تشديد الرقابة من قبل الهيئة العامة لحماية المستهلك على المحلات التجارية والمصانع وغيرها.

خامسا: يجب على السلطة التشريعية (مجلسي الدولة والشورى) إيجاد حلول لهذه الظاهرة من خلال إعادة النظر في القوانين والأنظمة والتشريعات المتعلقة بتنظيم سوق العمل والتجارة والزراعة وغيرها.

سادسا: تشديد الرقابة لمنع الاحتكار وضرورة متابعة ورقابة والتدقيق على التجار الفاسدين الذين يتحكمون بالسوق، فالاحتكار ممقوت ويضرب الاقتصاد والتجارة.

سابعا: ضرورة إنشاء الجمعيات التعاونية في جميع محافظات ومناطق السلطنة لما لها من تداعيات إيجابية للمستهلكين.

ثامنا: إعادة نشاط هيئة تسويق المنتجات الزراعية الوطنية لأجل تشجيع ودعم المزارعين للعمل في زراعة المنتجات الزراعية.

تاسعا: دعم وتوجيه وتشجيع مربي الحيوانات لزيادة الإنتاجية وتزويد السوق المحلي بمنتجات اللحوم والألبان ومشتقاتها.

عاشرًا: زيادة نشاط ومنافذ توزيع السلع الضرورية والأسواق المحلية ودعمها وضمها مع الجمعيات التعاونية، بحيث تكون من المنتج للمستهلكين مباشرة.

أحد عشر: دعم الأسر الوطنية المنتجة بمكافآت شهرية للتصدي لغلاء المعيشة.

اثنا عشر: دعم ومساعدة منتجي الزراعة في أسعار مستلزمات الإنتاج، بما في ذلك تكاليف الأسمدة وإعادة توجيه السياسات العامة والإنفاق العام لتقديم دعم أفضل للمزارعين والزيادة في إنتاج المواد الغذائية.

ثلاثة عشر: زيادة دعم البحوث والتطوير الزراعي والسمكي وتوسيع نطاق العلوم الناشئة، وتطبيق أحدث التقنيات المتطورة في هذا المجال من أجل أن يزيد من الخيارات المستدامة المتاحة للمزارعين والصيادين.

أربعة عشر: إعادة تقييم المعاشات التقاعدية بما يتواءم والأحداث والمتغيرات الحالية والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والأمن الغذائي للمواطن.

خمسة عشر: تكثيف دور الإعلام بالتوسع في توعية ونشر ثقافة المستهلك.

ستة عشر: تشجيع المبادرات الشبابية والمجتمعية بتوفير السلع بأسعار أقل من الأسواق.

سبعة عشر: منع تصدير بعض المنتجات الوطنية للحد من ارتفاع الأسعار ووفرة السوق وللاكتفاء الذاتي.

ثمانية عشر: فتح الاستيراد لبعض السلع لإحداث منافسة تساهم في انخفاض أسعار السلع.

تسعة عشر: سرعة وتسهيل وتبسيط إجراءات التراخيص لأي مبادرات تهدف لخفض الأسعار وتذليل أي معوقات لتخفيف العبء على الأسر البسيطة.

عشرون: توفير أحدث الأنظمة لزيادة إنتاجية وكفاءة استخدام الموارد لضمان الأمن الغذائي في مواجهة تزايد مخاطر تغير المناخ والصراعات، والمخاطر الاقتصادية.

واحد وعشرون: إعادة النظر في خصخصة قطاع الخدمات (الكهرباء والمياه) ودراسة إمكانية إيجاد آلية سريعة وسهلة لتخفيض عبء زيادة الاستهلاك على المواطن العماني.

اثنان وعشرون: إعادة النظر في تخفيض تسعيرة الوقود خاصة للمواطنين التي أثقلت كاهل الجميع.

ثلاثة وعشرون: صرف بطاقة تموينية لجميع الحالات الاجتماعية والإنسانية المحتاجه ولذوي الدخل المحدود والمتوسط.

الحكومة الرشيدة بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله- تبذل جهوداً حثيثة في مجال تحقيق الأمن الغذائي، على الرغم مما تواجهه من تحديات كبيرة لبناء منظومة غذائية متكاملة ومستدامة، بسبب التصحر والمناخ الجاف وندرة المياه.

ولكن وعلى الرغم من ذلك، يجب الإسراع في اتخاذ عددٍ من الخطوات الجادة للعمل على بناء منظومة استراتيجية وطنية غذائية فعالة ترتكز على أسس علمية وتقنية حديثة متطورة للحفاظ على قطاعات تنموية مستدامة، تسهم في تحقيق الأمن الغذائي وفي التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

وأخيرًا.. الأرواح قبل الأرباح!