الفن والجمال في البحر الأحمر

مدرين المكتومية

رسالة الفن سامية بكل تأكيد، والمُدرك لحقيقة هذه الرسالة يعلم جيدًا دورها التنويري والجمالي في مسيرة الإنسانية، والسينما أحد صنوف هذا الفن، إنها الفن السابع، الذي يرتقي بالذائقة ويُعلي من السمو الروحي، بفضل ما تطرحه السينما من قضايا معيشية وحياتية تعالج الكثير من المشكلات..

وفي إطار التطوُّر التاريخي الذي تشهده المملكة العربية السعودية الشقيقة، والحرص على الاستفادة من كل ما تزخر به من مقومات، أطلقت المملكة الدورة الثانية من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي تحت شعار "السينما كل شيء"؛ ليجتمع صُنّاع هذا الفن الراقي من كل مكانٍ تحت سقفٍ واحدٍ، ليؤكدوا أن التنوعَ والاختلاف في الشكل واللون واللغة والثقافة هو السبيل نحو التعايش والتآخي الإنساني.

والفن مرادف صادق للحب، للإخاء، للتعاون، للعمل المشترك؛ إذ بالفن تنهض الأمم وتتقدم نحو مزيد من الازدهار والرخاء، فكم من عمل سينمائي جسّد واقعًا استطاع أن يُغيّره للأفضل، وكم نجم سينمائي نجح في لفت الأنظار لقضية إنسانية مُلحّة، فوضع لها الحلول من خلال عمل يُعبّر عن مُعاناة أطراف هذه القضية. ومهما كانت التجارب قاسية، فالفن مثل الحب، قادر على محو هذه القسوة واستبدالها برقة وعذوبة، تُخرج من النفس كل ما هو جميل وراقٍ. الفن هو الشيء الوحيد القادر على أن يُلامس إنسانيتنا، ويطرق أبواب قلوبنا.. ألم يحدث ذات يوم أن شاهدت عملًا فنيًا دفعك للبكاء؟ أو للضحك؟ أو للتعاطف؟ إنه ذلك الشعور الغريب الذي يُحرك النفس بلمسة ساحرة من صورة آسرة، أو مشهد سينمائي مُلفت، أو لوحة تشكيلية تلتصق بالذاكرة.

ولقد كان لي شرف حضور وتغطية المؤتمر الصحفي الخاص بانطلاق مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة عروس البحر الأحمر، وشاهدت حجم الجهد المبذول والتفاني في العمل من أجل إخراج هذا المهرجان في أبهى حُلة، لينافس ليس فقط على المستوى العربي، ولكن أيضًا على المستوى العالمي.

ولأننا نأتي هذه الحياة ونعيشها بمختلف تحدياتها وتقلباتها وفرصها، فإن لكل منّا قصته وحكايته، لكلٍ منِّا نزواته، وتخبطاته، لكلٍ منِّا رغباته وأمنياته، ولكل منا انكساراته ونهوضه، ولو أعدنا النظر إلى أنفسنا لوجدنا أن كل منا أيضًا في حد ذاته مشروع سينمائي قد يُحقق نجاحات لسنوات طويلة. فما تقدمه السينما من أبطال وشخصيات وقصص وموافق، ليست سوى انعكاس صادق لما يحدث في المجتمع على أرض الواقع.. نعم قد تلجأ السينما إلى المبالغة، لكنها مبالغة صادقة، تعتمد على ما يواجهه الإنسان في حياته اليومية، لتُقدِّم معالجة سينمائية مختلفة لهذه الحياة اليومية، بما يسهم في تسليط الضوء على قضية أو حادثة أو موقف، يمثل الحبكة الرئيسية للعمل السينمائي.

ومهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، إضافة ثقافية وفكرية جديدة تُحسب للمملكة العربية السعودية؛ كونها استطاعت أن تقدم مهرجانًا بهذا الحجم وتلك المكانة الرفيعة التي تحققت في أقل من عامين، ليكون هذا المهرجان منصة للكثيرين من الشباب الشغوف بفن السينما، ومنبرًا للمُبدعين الراغبين في خوض تجربة المشاركة بعرض أفلامهم وتعريف العالم بها.

لقد نجح المهرجان في إحداث حالة من الحراك السينمائي على المستوى الإقليمي والدولي، فضلًا عن المستوى المحلي في الداخل السعودي الذي يتطور كل دقيقة ويكشف عن مواهب واعدة، تطمح لمستقبل أكثر تألقًا.

وتسمية مهرجان البحرالأحمر السينمائي الدولي  الذي يقام في مدينة جدة الملقبة بعروس البحر الأحمر، توظيف إيجابي للشراكة بين القطاع الثقافي والقطاع السينمائي، فكما إن هناك مهرجانات عالمية تُقام على ضفاف أجمل الشواطئ حول العالم، قررت السعودية أن يكون مهرجانها السينمائي الأول على شواطئ جدة الخلابة، بطقسها العليل ومناظرها الطبيعية التي تأسر القلوب قبل العقول.

تحية محبة وتقدير إلى الأشقاء في المملكة العربية السعودية، الذين حرصوا على دعوة الإعلام العُماني لتغطية هذا الحدث المُميز، والشكر لهم على ما بذلوه من جهدٍ وتفانٍ؛ كي ينطلق المهرجان في الأيام العشرة الأولى من شهر ديسمبر المُقبل، وإنني لعلى يقين بأن الدورة الثانية ستكون محطة فارقة في تاريخ هذا المهرجان الواعد.