الثابت الوحيد أن الإنسان متغير

 

أم كلثوم محمد الفارسية

الكون الكبير المُتسع الممتد الرحب الذي يتجاذب أطراف التناقض بين اتساع وضيق.. زيادة ونقصان.. بين عثرة وقفزة.. بين بداية ونهاية.. خسارة وانتصار.. كثوب درويش صوفي فيه من كل لون بقعة ومن كل نوع بصمة لا يكف عن التبدل والتحول طاحونة ريح تقلب الأشياء رأسا على عقب وكأنها عاهدت نفسها أن لا تبقي شيئا على حاله فأصبح معها دوام الحال من المحال!!!

ونحن البشر شيء في هذا الكون وتسري علينا قوانينه حالنا كحال باقي خلق الله.. والتغيير سنة الله في خلقه فالحياة متغيرة متبدلة لا تثبت على حال وهذا هو الأصل فيها. أما الثبات والركود فصفتان ليس لهما في معنى الحياة خانة بل إنهما يشيران دائما للموت الذي هو نقيض الحياة!!

الكون من حولنا فهم هذه السنة الإلهية فهو لا يقاوم التغيير بل يستجيب ويتفاعل معه إما اجتهادا للبقاء أو سعيا للارتقاء  ورقة الشجر والفصول الأربعة آية من آيات التفاعل الكوني مع التغيير محاولة جادة من الطبيعة الفطرية للبقاء.هذه الورقة تستجيب للبرد والحر والريح والشمس والمطر ما بين اصفرار واخضرار وسقوط إن لزم الأمر هي لا تقاوم لأنَّ عجلة التغيير ستسحقها إن لم تتأقلم مع معطياتها، ثبات حالها بالرغم من تغير كل شيء حولها على مدار السنة يعني فناءها لا محالة! النار وهي معجزة خلق، تثير الدهشة لا تقاوم التغيير؛ بل تستسلم لظروفه وتتفاعل معها هي تحافظ على حياتها وإن اختلفت الصورة التي تكون عليها ما بين طاقة ملتهبة  أو فحم أو رماد فهي في أحد صورها ماس ثمين هي تتغير لترتقي وتنمو.

الغريب في الأمر أن المخلوق الوحيد الذي يقاوم التغيير هو نحن البشر؛ حيث يعد الخوف من التغيير أحد أكثر المخاوف انتشارًا بين الناس مما يشير إلى مقاومة لسنة كونية من سنن الحياة.

النار تسعى إلى التغيير لأن في التغيير نموها.. ورقة الشجر تسعى إلى التغيير لأن في التغيير بقاءها. وبين ورقة ونار نصنع نحن التغيير كما يصنعنا.. ينشئنا خلقًا آخر في العقل والفكر، في القلب والحب، في الجسد والعافية... مع كل تغيير نحن نحال إلى شيء جديد لا يشبه سابقه. في التغيير عدالة السماء وصلاح الأرض.. التغيير يجيب على تساؤل الوجود الأعظم من أنا؟ لماذا جئت إلى هنا؟ أين الطريق؟

إن فكرة التغيير في حد ذاتها فكرة منصفة جدا ماذا لو لم نتغير؟ لهلكت كل دواعي السعي لفقدت الحياة معناها لغاب سر الوجود أن يبقى الفقير محتاجا.. والغني مالكا..والصغير جاهلا..والعالم عارفا ثباتا أبديا دون أي مؤشر لتبدل المواقع وتغير الأحوال أمر عبثي للغاية وحقيقة مؤلمة تقتل الحياة فينا.

التغيير طريق يخبرك في نهايته كيف انطوى فيك العالم الأكبر..ولادتك الأولى لم تكن بعلمك ولا برغبتك أنت لم تختر والديك ولا عرقك ولا وطنك لكن مع سنة التغيير أنت تولد ثانية وثالثة ورابعة... وألفا.. اصنع الفارق؛ فالتغيير نحو الأفضل هو سبب خلقك أنت الذي فيك من روح الله قادر أيضًا على الصنع والإيجاد والتغيير والتجديد.. التغيير سؤال وإجابة يهدينا سر الحياة ويبدي لنا الأمر أكثر عدالة ورحمة. ولتعلم أن دورك ليس مقاومة التغيير؛ بل كيف تقود هذا التغيير المحتوم نحو النمو والارتقاء عوضًا عن الانتكاسة والتدهور.

تعليق عبر الفيس بوك