إطلالة نوفمبر.. وعيد وطني في ظفار

 

علي بن سالم كفيتان

 

منح حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- ظفار الأولوية في اللقاء بمشايخها والاستماع لهموم الوطن من الجنوب الجميل المُفعم بالحيوية والجمال، والمواقف التي لا تنسى، فكانت ابتسامة جلالته العريضة من قصر الحصن العامر مؤشرًا على سلامة الوطن ورسوخ مبادئه.

لقد كان لقاءً استثنائيًا بكل المقاييس؛ فظفار ليست مجرد محافظة في أدبيات السلطنة؛ بل سجل عظيم من الكفاح والتضحيات التي قادت إلى التغيير، إنها موطن الرخاء وحديث الصفاء وساحة العزة والكرامة الوطنية التي خاض فيها كل الشرفاء معركتهم العادلة، فرغم ظروف انتشار الجائحة- حينذاك- إلا أن جلالة السلطان- أيده الله- أمر بلقاء مشايخ ظفار كباكورة الأحاديث مع كل العُمانيين والاستماع لهم، وحمل همومهم، وتنفيذ طموحاتهم. وبعدها تتالت اللقاءات الكريمة والحديث الصريح في كل المحافظات مع مشايخ ووجهاء عُمان. نحن في هذه البقعة الطاهرة من هذا الوطن نقدر كثيرًا هذه اللفتة السامية، فقد طمأن جلالته الجميع بأن ظفار هي درة التاج العُماني؛ ففيها رأى القائد المؤسس النور الأول يشرق من بين شرفات الحصن، وسمع حفيف نخيل ظفار السامقة، وهدير بحر العرب الذي لا يهدأ، وصدى الهبايب القادمة من كل أنحاء المدن والأرياف والبوادي صبيحة الثامن عشر من نوفمبر عام 1940.. إنِّه عيد الوطن.

وعندما تعافى الوطن من الجائحة وعادت أرتال الرجال للاحتفال بالعيد الوطني تحت الرعاية السامية لمولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق- أيده الله- عاد الاحتفال الأول خارج العامرة إلى ظفار؛ فميدان النصر بات على موعد متجدد بعد عام 1997 عندما احتفل الجميع في ظفار للمرة الأخيرة مع السلطان قابوس بن سعيد- عليه رحمة الله. وقد أبدع في ذلك النهار الجميل الشاعر سالم بخيت المعشني الذي صاغ الكلمات وابن الساحل الذي نسج الألحان، وعلى صوت الرجال القادمين من رؤوس الجبال وتخوم البادية وأحياء المدن العريقة لتعزف ظفار أنغامَ الخلود، ويفوح الحوجري من جنبات الرباط والبليد وسمهرم، إلى كل بقاع الدنيا وينثر الراعي نغمًا حزينًا بصوت "النانا" الشجي؛ فيصمت الجميع وتعلو العبرات على وجه السلطان خالد الذكر؛ فظفار هي الميلاد والنشأة وهي صمام الوطن الغالي، واليوم يعود الفرح بكامل بهائه إلى ميدان النصر بقدوم سُلطاننا المفدى- حفظه الله- ورعايته السامية للاحتفال بالعيد الوطني الـ52 المجيد.

الجميع يدرك أنَّ هناك حقبة جديدة وانطلاقة مختلفة يقودها مولانا جلالة السلطان المعظم- حفظه الله- ستؤدي إلى التعافي الاقتصادي الذي ظهرت بوادره بتحسن التصنيف المالي للسلطنة، وثبات العملة وتراجع المديونية.. ولذك فإن الوقوف على الرؤية والحرص على التطبيق الدقيق والانضباط في الأداء العام، كلها سمات تميزت بها السنوات القليلة الماضية مما أسهم في تحقيق فائض مالي للمرة الأولى منذ سنوات. وقد تبقى على خطة التوازن المالي عامين ونيف، وكل المؤشرات تقول إننا سائرون في الاتجاه الصحيح رغم الضغوط التي يعانيها الجميع كشركاء في الوطن في ضيقه ورخائه، وبعيدًا عن الجدليات غير المفيدة والمقارنات غير العادلة، نحن في سلطنة عُمان موعودون بانطلاقة النمر العربي على شاكلة النمور الآسيوية، عندما تنقضي سنوات خطة التوازن المالي- بإذن الله. قد نختلف في تنفيذ بعض السياسات المرتبطة بحياة الناس العامة؛ كتوفير الوظائف وفرض الضرائب والرسوم، لكننا لسنا على خلاف مع الوطن العظيم وحماية مكتسباته وإنجازاته.. فوصية قابوس باقية فينا في المحافظة على كل منجز والبناء عليه للأفضل بإذن الله تعالى.

ننتظر بشغف كبير احتفال العيد الوطني الـ52 في حاضرة الجنوب الجميلة صلالة؛ فقد لبست المدينة ثوبها القشيب لاستقبال العيد المجيد، وتشريف المقام السامي لظفار من على منصة ميدان النصر، فمهما تغير الوقت يظل العُمانيون شغوفين بالعسكرية وأرتال الجيوش وصيحات قادة الطوابير (لليمين انظر)، وما زال النَّاس هنا يتذكرون هدير اللواء سالم قطن من على الحصان الأبيض في ميدان الفتح، والعميد عوض المشيخي، والعميد سعيد تبوك؛ كقادة لطوابير العروض العسكرية تحت الرعاية السامية للسلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- كل ذلك بات إرثًا في نفوس الأجيال، غرسه القائد الراحل؛ فالعسكرية تعني الانضباط والنظام والدفاع عن الوطن بكامل ترابه واستباب الأمن والاستقرار ودحر الكائدين.. كل تلك القيم العظيمة يستحضرها الجميع مع أول إيعاز من قائد طابور العرض العسكري كل عام.

حفظ الله بلادي.