الشجرة.. عطاءٌ لا ينضب

 

محمد بن سعيد الرزيقي

ذكر اللَّهُ سبحانه وتعالى الشجرة في القرآن الكريم في أكثر من موضع؛ فمنه قوله سبحانه وتعالى في سورة الفتح: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا).

حثَّ الإسلام على غرس الأشجار، ورغب فيه، ووعد من يغرس الزرع بالثواب الجزيل؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلمٍ يغرسُ غرساً أو يَزْرَعُ زَرْعاً فيأكلُ منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ إلاَّ كان له به صدقة" وتوَّعد من يقطع الأشجار ظلما وعدوانا، ومن غير ضرورة مُلحة؛ فعن عبد الله بن حبشي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار".

ونجد أنَّ الشجرة احتلت مكانة خاصة في المجتمع العُماني لما لها من دور في حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والدينية؛ فثمارُها غذاؤهم، وأعوادُها حطب لمواقدهم، وظلُها مستراحٌ لهم ولأنعامهم، بل مسكنٌ يحتمون به من الرمضاء، وكانت تُقام تحت ظلها حلقات تحفيظ القرآن الكريم، ومدارسة العلم، وكانت أسواقا تعج بمرتاديها، ومجالسا لعقد الصلح بين المتخاصمين، وبالجملة كانت تُعقد فيها المناسبات الدينية، والاجتماعية المختلفة.

بيئيًا.. تلعب الأشجار والمسطحات الخضراء دورًا مهمَّا في تلطيف الجو؛ فقد قيل: إنّ شجرة واحدة تعدل ثلاثة مكيفات، وتعمل على تنقية الهواء من ملوثات الغبار والأتربة، وتمتص غاز ثاني أكسيد الكربون الضار بالبيئة الذي يخرج مع نفس الإنسان، ومن المصانع والحرائق؛ ليساعدها مع ضوء الشمس في صنع غذائها أو ما يسمى بالتمثيل الغذائي. كما إنَّ الأشجار تمثل بالنسبة للطيور الموطن الآمن الذي تُعشش وتُربي فيه صغارها.

اليوم تتعرض الأشجار في العالم إلى هجمةٍ شرسةٍ من الإنسان الذي ما فتئ يُدَّمر البيئة، ويعتدي على مكوناتها الطبيعية الزاهية، ويُشهر سلاحه في وجهها بما أُوتي من وسائل متطورة، وآلات قطع حديثة، طمعًا في نيل المكاسب المادية ناسيًا أو متناسيًا ما يُسببه هذا الفعل من اختلال بيئي بيِّن في مفرداتها الجميلة، وعناصرها الطبيعية التي تأسر الناظرين، فغدت الأشجار تتناقص سنة بعد سنة، ويوما بعد يوم.

والزحف السكاني، والصناعي، والتجاري على المساحات الخضراء، وقطع الأشجار، والرعي الجائر، كلها عوامل بشرية قلّصت أعداد الأشجار إلى مستويات تُنذر باختلال التوازن البيئي الطبيعي.

وبجانب العوامل البشرية، هناك العوامل الطبيعية، على سبيل المثال: ارتفاع درجات الحرارة، وموجات الجفاف، وقلة الأمطار. والفيضانات؛ الأمر الذي يُمَّهد في نهاية المطاف إلى سرعة التهام الحرائق لمساحات واسعة من الغابات فتتركها قاعًا صفصفًا.

إنَّ من أهمِّ المشكلات البيئية التي يتركها غياب الأشجار والغابات هو الاحتباسُ الحراري، وتعريةُ التربة، وتصَّحُرُ الأراضي، وانقراضُ الكثير من الطيور والحيوانات بسبب فقدها لموائلها.

ولقد اهتمت سلطنةُ عُمان بالأشجار. وبزراعتها وأولتها عناية خاصة، وما الاحتفاء بيوم الشجرة الذي يوافق 31 أكتوبر من كل عام إلا دليلا على ذلك الاهتمام، وقد دُشنت عدَّة مبادرات للمحافظة على الأشجار وإكثارها، ولعل من أبرزها مبادرة استزراع عشرة ملايين شجرة برية الذي تم مباركتها في 8 يناير عام 2020، والتي من أهدافِها نشرُ الغطاء الأخضر، وتنقيةُ وتلطيفُ الهواء، وحمايةُ التربة من التصَّحُر.

ختامًا.. ينبغي علينا جميعًا ونحن نحتفل بيوم الشجرة التعاون مع جهود الحكومة الرامية إلى استزراع الأشجار والمحافظة عليها من العبث.

تعليق عبر الفيس بوك