مدرسة المهارات الحياتية

 

أحمد بن موسى البلوشي

 

لقد أصبحت تنمية المهارات الحياتية للناشئة اليوم عملية مُعقدة في ظل التطورات التي نعيشها وفي مختلف المجالات سواء كانت العلمية أو المعرفية أو الاجتماعية أو الثقافية وغيرها، والتي تتميز بالسرعة والتجديد والكثير من التحديات، كل هذه التطورات تؤثر على الإنسان وشخصيته، وتتطلب منه أن يطور من نفسه ويتعلم الكثير من المهارات التي تُواكب هذا التطور.

وبناءً على هذه التطورات هل نقوم فعليًا نحن كوالدين ومربين بتجهيز هذا الجيل من الأطفال والشباب بالمهارات الحياتية التي يحتاجونها، وتساعدهم على التعامل مع الكثيرين من حولهم؟ والمقصود هنا بالمهارات التي يجب أن يتسلح بها الشاب لمواجهة الحياة اليومية. وعُرِّفت المهارات الحياتية بأنها "كفاءات الفرد علي السلوك التكيفي الإيجابي التي تجعله يتعامل بفعالية مع متطلبات الحياة اليومية وتحدياتها، وبالتالي فلا بُد لهذا الفرد أن يكون مُتمكنا من مهارات أساسية وهي: المهارات العقلية، والمهارات الاجتماعية، والمهارات اليدوية، والمهارات الصحية وغيرها من المهارات"، وعرفها البعض بأنها "مجموعة من المهارات الأساسية المكتسبة من خلال التعلم أو تجربة الحياة المباشرة التي تمكن الأفراد والجماعات من التعامل الفعَّال مع القضايا والمشاكل التي تواجه عادة في الحياة اليومية وتكون سبباً في أن يتم اكتساب هذه المهارات".

ندرك أن تطوير هذه المهارات يقتضي تطوير التعليم، وفي نفس الوقت ندرك كذلك أنَّ التعليم قائم بالدور المطلوب منه في تطوير هذا الجيل مهنيًا ومعرفيًا وأكاديميًا، ولكن يجب أن يكون للتعليم كذلك دور في تنمية هذه المهارات ليُحقق الاندماج الاجتماعي والتوازن النفسي لأبناء هذا الجيل، وذلك بفضل العلاقات التي ينسجها المتعلم مع الأشخاص الذين يتعامل معهم في المحيط المدرسي، وتؤكد مجموعة من الأبحاث التربوية أن "أهم الخبرات والتجارب الاجتماعية والمهارات الحياتية للمُتعلمين تحدث في المحيط المدرسي، وأن نوعية هذه التفاعلات الاجتماعية والمهارات هي التي تحدد اندماجهم وتوفقهم في حياتهم الدراسية، وأن مهارات التواصل والمشاركة والتعاون والانضباط الانفعالي، واستعمال استراتيجيات الحوار والتفاوض، والتساؤل والمبادرة بالحديث، والتواصل في مختلف المواقف المدرسية الصفية واللاصفية، ومواقف التعليم بالخصوص، ذات أهمية كبرى في التحصيل الدراسي، والتوافق الاجتماعي، والتوازن النفسي، وتنمية المهارات الحياتية للمتعلمين". وهذا دليل يوضح أن المؤسسة التعليمية يجب أن يكون لها دور في تنمية المهارات الحياتية والاجتماعية لدى المتعلمين.

الأسرة هي اللبنة الأولى لبناء الأبناء، وهي المدرسة الحقيقية لتعليمهم المهارات الحياتية والاجتماعية المختلفة، فمرحلة الطفولة من أهم المراحل التي تشكل الملامح الأساسية لشخصية الأطفال، لذلك يجب أن يكون دور الأسرة أكثر وضوحًا في هذا الجانب الأساسي والمهم، ويُعتبر الاهتمام بهذه المهارات من أهم أولوياتها، ومطلبا ملحًا بسبب ما نشاهده من تغيرات سريعة في المجتمعات البشرية، والتي مست كل جوانب الحياة، فتشجيع الأطفال على التفكير، والبحث عن الحلول للتحديات التي تواجههم في حياتهم اليومية، والتعامل مع المواقف الحياتية المختلفة تكسبهم مهارات مهمة للتعامل مع مجريات الحياة.

إن أهمية المهارات الاجتماعية تكمن فيما توصلت إليه الأبحاث التربوية الحديثة إلى أن "الأطفال اللامعين ذوي القدرات العقلية والمعرفية العالية أو ذوي الذكاء المرتفع، قد يفشلون ويخفقون في تحقيق أهدافهم المستقبلية لعدم سيطرتهم على حياتهم الانفعالية، والاجتماعية، والعاطفية"، بمعنى أنَّ هناك علاقة طردية بين العديد من الاضطرابات السلوكية والوجدانية والقصور في المهارات الحياتية والاجتماعية.

تعليق عبر الفيس بوك