حيدر بن عبدالرضا اللواتي
يبدو أنَّ قضية المسرحين من الأعمال لم تبدأ مع تفشي وباء الجائحة كورونا في عام 2020، ولكن البيانات تشير إلى أنها بدأت قبل ذلك بعدة سنوات من انتشار الوباء، أي بدأت مع تأثيرات تراجع أسعار النفط في منتصف عام 2014، والتي تركت آثارًا سلبية عديدة على المؤسسات والشركات العمانية؛ نتيجة لتراجع المشاريع الجديدة التي كان القطاع الخاص يعتمد عليها من جهة أخرى.
وبالتالي اضطرت بعض المؤسسات والشركات العمانية إلى التخلص من العمالة الوطنية والوافدة في آنٍ واحد؛ لتسوية أعمالها التجارية. وزاد الطين بلة، القرار الذي اتخذته وزارة العمل بخفض الحد الأدنى للرواتب في القطاع الخاص إلى 325 ريالًا عمانيًا، دون التمييز بين الدرجات التعليمية للمتقدمين؛ الأمر الذي أدى ببعض تلك المؤسسات العمانية للتخلص من العمالة الوطنية من خلال التسريح التعسفي، ومن ثم إعادة تشغيلها بالراتب الجديد، وهو ما فاقم المشكلة.
هذه القضية تُثار بين وقت وآخر؛ سواءً من الكُتَّاب في وسائل الإعلام والصحافة أو رواد مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث يركّز الكثير منهم على النتائج السلبية التي ترتبت جراء تلك الظروف والقرارات؛ الأمر الذي يؤدي بالبعض الذين تم تسريحهم إلى الوقوف أمام المحاكم ومواجهة قضايا عدة نتيجة عدم قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم المالية وخاصة أقساط القروض. ويرى كثير من المواطنين ضرورة التوقف عن ملاحقة هؤلاء الأشخاص من قبل البنوك والمحاكم والجهات المعنية، وهو ظرف ناتج عن الديون المترتبة عليهم بسبب تراجع الدخول الشهرية أو توقفها نهائيًا. القضية في واقع الأمر، تترك العديد من الأعباء الإنسانية والاجتماعية والمالية السلبية على هؤلاء الأشخاص وذويهم وأفراد عائلاتهم، نتيجة التسريح، وخاصة المفاجئ منه، بسبب ما عليهم من التزامات السكن والخدمات والقروض والتعليم والصحة وغيرها من الالتزامات الأخرى، فيما تعمل الجهات المعنية على إيجاد بعض الحلول لها، إلا أن هذه المعضلة تكمن في المؤسسات المصرفية والشركات المالية والمحاكم والمؤسسات التنفيذية التي تتابع بعضها تلك القضايا دون أن تتوقف عن متابعة المسرحين في هذه الأزمة.
الجهود السابقة لحل هذه القضايا تكمن في قيام مجلس الوزراء الموقر، بتشكيل لجنة لمتابعة أحوال المسرّحين، والنظر في قرارات الشركات التي أنهت خدمات العمانيين العاملين في القطاع الخاص، بجانب بعض اللقاءات والاجتماعات التي تمت على مستوى المجالس كمجلسي الدولة والشورى وغرفة تجارة وصناعة عُمان والاتحاد العام لعمال سلطنة عمان وغيرها من الجهات، بجانب ما تقوم به وزارة العمل من جهود مستمرة في هذا الشأن.
جميع تلك المساعي المبذولة تستهدف التعافي من قضية المسرحين من الأعمال، ووضع الحلول المناسبة لإعادة إدماجهم في مؤسسات أخرى. ومن ضمن تلك الحلول الاستمرار في اتخاذ الإجراءات الكفيلة لتوفير فرص عمل جديدة للمسرحين مع متابعة قضاياهم وتأثيراتها السلبية على العمل والاستثمار في السلطنة، في الوقت الذي تعمل فيه وزارة العمل على متابعة الأسباب التي تؤدي إلى إنهاء خدمات المواطنين.
المشكلة تكمُن الآن في قلة فرص العمل للمسرحين وبنفس الامتيازات التي كانوا يعملون بها في مؤسساتهم السابقة، ونوع الحياة التي اعتادوا عليها. وترى المؤسسات والشركات التي أنهت خدماتهم أن تطبيق قانون العمل والقرارات الوزارية الصادرة ضدها من قبل الجهات المعنية لن يؤدي إلى حل تلك المشاكل، لكن يمكن حلها من خلال تسويتها مع لجان التوفيق والمصالحة، مع استمرار الدعم الذي يمكن أن يحصل عليه المسرحون من صندوق التأمين ضد التعطل لتخفيف مُعاناة الأسر والعوائل، والذي يحتاج هو الآخر إلى تمويل مالي مستمر ولمتابعة قضايا التشغيل والتسريح.
ويمكن الحل كذلك من خلال توسيع أنشطة القطاع الخاص عبر جذب مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية إلى البلاد، لتأسيس مشاريع كبيرة تستوعب العمالة الوطنية، بجانب قيام جهاز الاستثمار العماني بوضع خطة للمشاريع التي تهم مختلف القطاعات الاقتصادية واستثمار جزء من أمواله في تأسيس المشاريع الاقتصادية المجدية في البلاد، بدلًا من توجيه استثماراته إلى مشاريع خارجية. فالمواطنون الذين سوف يعملون في هذه المشاريع سيقومون بإعادة وتدوير أموالهم في الاقتصاد العماني من خلال ما يجنونه من رواتب وامتيازات شهرية، وهذا مكسب اقتصادي واجتماعي في آنٍ واحد.
وإعطاء الأولوية في المشاريع للشركات العمانية التي تُدار بأيدٍ عمانية وطنية وبعيدة عن ممارسة التجارة المستترة والتي يعمل بعضها في الخفاء سيدعم تلك التوجهات، مع تعزيز العمل وتمويل برامج تدريب وتأهيل الكوادر البشرية العمانية في المجالات التي تحتاج إليها تلك المؤسسات، وضرورة إجراء التعديلات على القوانين لتحقيق التوازن والمساواة والعدالة بين الجميع والقضاء على ظاهرة المسرحين ومنحهم الوقت الكافي لسداد الالتزامات المالية المترتبة عليهم. ولا ننسى البُعد الأمني في تسريح العمالة الوطنية؛ لأنَّ ذلك قد يؤدي إلى زياة مؤشر الجرائم الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والنفسية والصحية للمسرّحين وأفراد عائلاتهم. وهذا ما يجب متابعته أيضًا من خلال إعداد الدراسات التي تؤدي إلى تفاقم القضايا الاجتماعية من عملية التسريح.