خلفان الطوقي
يُقال "قطع الرقاب ولا قطع الأرزاق"، ويُقال "قيمة الإنسان في عمله"، ولا يختلف اثنان حول أهمية واجب الدولة في توفير فرص العمل بشكل مباشر أو غير مباشر، لذلك فإن أي حكومة تجد الشغل الشاغل وقمة أولوياتها توليد فرص عمل بشكل مستمر، فهذا التحدي باقٍ ومستمر، وهاجس مستمر للدولة والمجتمع وأفراده، وعلى كل حكومة راشدة أن تجد طرقاً مبتكرة لخلق فرص عمل، وأن تبقي هذا الملف الحساس في طاولة أي اجتماع حكومي، وأن تكون فرص العمل قيمة مضافة لأي مبادرة حكومية قادمة، فالمهمة هي ليست مهمة وزارة العمل وحدها، فالتوظيف مهمة أساسية في الحكومة ككل.
العمل أو التحدث أو الكتابة عن موضوع فرص العمل غاية في الحساسية لأنه يمس كل بيت ويعرض الشخص لكثير من المواجهات، وبه كثير من أطراف العلاقة، فولي الأمر طرف، والباحث عن العمل طرف، وصاحب المؤسسة طرف، ووزارة العمل طرف، والحكومة طرف، والمجتمع ونقابة العمال وغيرها أطراف أخرى، ولا يُمكن بأي حال من الأحوال إرضاؤهم جميعا، لكن يمكن الوصول بهم إلى مناطق التقاء واتفاق لحد كبير أطراف العلاقة، خاصة إن تَفهَّم كل طرف ظروف ومتطلبات بقية الأطراف.
في عمان- حالها حال كثير من الدول- تبنت الحكومة منذ بداية عام 2021 طرقًا ومبادرات مبتكرة للتوظيف وتوليد فرص العمل، وأهم هذه المبادرات: مبادرة دعم الأجور في القطاع الخاص والتي ولّدت إلى الآن ما يصل إلى 4668 فرصة وظيفية في القطاع الخاص، ومبادرة "المليون ساعة" والتي طرحت حوالي 250 فرصة وظيفية، ومبادرة "ساهم" التي وفرت 5000 فرصة عمل، وغيرها من مبادرات توظيفية وتأهيلية مثل التدريب المقرون بالإحلال، والتدريب المقرون بالتشغيل، وبرنامج إعداد رواد العمل، ودعم العمل الحر، والتدريب على رأس العمل، وبالرغم من استيعابه الكثير، إلا أن هناك الكثير ممن ينتظر دوره لضمه فى إحدى هذه المبادرات الوطنية التي يشرف على برامجها شخصيًا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وقد ترأس جلالته اللجنة الإشرافية لبرنامج التشغيل الوطني "تشغيل".
ملف التشغيل دسم ومعقد وحساس، ولكي يتم حلحلته لا بُد لكل الأطراف من تحمل مسؤوليتها، فعلى الحكومة أن تكون متضامنة في حملِه وتحمُّله، وأن لا تُترك وزارة العمل لوحدها في الميدان، فوزارة الاقتصاد لها دور، وشرطة عمان السلطانية لها دور، والبنك المركزي العماني له دور، ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار لها دور، وغيرها من المؤسسات الحكومية دون استثناء.. لكن الأدوار تبقى متباينة بشكل مباشر أو غير مباشر، وإن اقتنعت الحكومة بهكذا مسؤولية جماعية، وعملت على بناء استراتيجية متكاملة مع كافة الأطراف في توزيع المسؤوليات والأدوار، فإن هذا الملف الثقيل سوف يسهل حمله.
وكما إن الحكومة لها الدور الأكبر، إلا أن باقي الأطراف لها مسؤولية أيضًا، فالباحث عن عمل يتمنى وظيفة مثالية قريبة من محل إقامته تتناسب مع ميوله براتب مناسب يضمن له حياة أسرية مستقرة، لكن لا يمنع في بداية حياته أن يلتحق بأي فرصة وظيفية يكتسب منها المعارف والخبرة والمهارات اللازمة لوظيفة مستقبلية أفضل، وعليه أن يستمر في تواصله مع كافة المبادرات الوطنية الموضحة أعلاه، وأن لا يترفع عن أي فرصة تدر عليه دخلًا ماليًا، فمن قبله مر بنفس هذه الظروف، وربما بظروف أصعب بكثير، وليتذكر أن بعض الفرص هي محطات "ترانزيت" لمحطة أفضل في المستقبل، فهي تبقى أفضل من الجلوس في البيت.
وبما أن الحكومة والباحث عن عمل هما أهم طرفين في هذه المعادلة، إلا أنهما ليسا الوحيدين فقط؛ بل إن هناك أطراف أخرى مثل ولي الأمر والمجتمع والنقابات العمالية والجمعيات المهنية المختصة والتي لها أدوار غاية في الأهمية، وعليها أن تعمل جنبًا إلى جنب مع الحكومة، من خلال تقديم الدراسات التخصصية والاستشارات الرصينة ووجهات النظر العميقة؛ لتعديل المبادرات الحالية، وابتكار مبادرات أخرى خلّاقة تضمن استدامة الفرص التدريبية والتوظيفية.
على الجميع إدراك أن هذا الملف سيبقى تحديًا حقيقيًا ما لم نساهم جميعًا في تحمُّل جزء من المسؤولية وتقديم كل طرف ممن تم ذكرهم أعلاه بعض المساهمات من ناحية، والتضحيات من ناحية أخرى.