جيل الهشاشة النفسية

 

أم كلثوم الفارسية

حتى لا يكبر أطفالنا وهم أقل سعادة وأكثر اكتئاباً لأسباب واهمة بعيدة كل البعد عن الواقع والحقيقة وتغيير هذه الصورة المشوهة حول الذات والحياة التي تسببت في حرمانهم تجربة الوصول لجوهر الحياة العميق نكتب اليوم عن جيل الهشاشة النفسية أو ما يعرف عالميًا بجيل رقائق الثلج وصفًا لتفككهم الداخلي وانفصالهم عن الواقع حولهم مع ضعف صلابتهم النفسية حتى إنهم يصابون بانهيار شديد لمواقف بسيطة أنقل للقارئ هذه لظاهرة من خلال المواقف اليومية التي ترد إليّ بحكم طبيعة عملي كأخصائية اجتماعية في المجال المدرسي، ولك أن تتخيل ماذا يعني ذلك نحن الأخصائيين الاجتماعيين نرى عن قرب صلابة نسيجنا الاجتماعي ونتلمس بوضوح مواطن الخلل في الأفراد المكونين لهذا النسيج وهنا استعرض ثلاثة مشاهد غارقة في الهشاشة  أثارت في داخلي ألف سؤال وسؤال!

تدخل على مكتبي وهي في قمة الانهيار النفسي وتطلب الاتصال بوالدها حالًا وفورًا والآن لأنها لم تعد تتحمل ولا أحد سيتفهمها سوى والدها... نوبة بكاء حادة كانت الأفكار تتوالى عليَّ لربما تعرضت لتنمر حاد من زميلاتها.. أو ضربًا مبرحًا من أحد معلماتها أو ربما لم تحل أسئلة اختبارها وفقدت بعض من درجاتها..

وما أن هدأت.. واستعادت أنفاسها وضحت لي قائلة: إن معلمتي وصفتني "بالدلوعة" وأنا لست كذلك يجب محاسبتها ولن أتنازل عن حقي... أرجوك اتصلي بوالدي الآن لن أغادر المكتب قبل أن آخذ حقي منها وانتقم لنفسي نحن لم نأتِ للمدرسة لكي تجرحونا نفسيا لربما من هذا الموقف سأفقد رغبتي في الحضور للمدرسة سأقع في أزمة نفسية لا محالة... أرجوك أستاذة اتصلي بوالدي!!!

مشهد آخر... محاولات جاهدة في إعادة الطالبات لصفوفهن الدراسية عقب اختبار مادة الفيزياء الذي أصاب الطالبات بانهيار وموجة  بكاء لا حدود لها...ورفض لدخول الفصول لعدم قدرتهن على إكمال اليومي الدراسي. لأن الاختبار الفتري كان صعبًا وهن غير واثقات من إجاباتهن التي لربما تكون صحيحة!!! لذا يجب إنهاء هذا اليوم المرهق جدا السيئ جدا لأن الطالبات فقدن الرغبة في المواصلة!!!

مشهد آخر.. كل علامات الحزن والأسى والعيون الممتلئة بالدموع والكلمات المخنوقة في الحلق ورجفة الأيدي وضيقة الصدر  تبدو على هذه الطالبة جراء فراقها لصديقتها الذي قررته والدتها نتيجة اكتشافها بأنها صاحبة سوء تجر ابنتها للفساد والآن أنا يا أستاذة لا أستطيع العيش وإكمال الحياة واحتاج إلى تأهيل نفسي جراء هذا الفراق الصعب.. بلا شك سأراجع طبيبا نفسيا ليساعدني على تخطي هذه المرحلة!

طبيب نفسي ليعينك على مواصلة حياتك بدون هذه الصديقة! رحم الله الأطباء النفسيين وكان في عونهم إذا ستمتلئ عياداتهم من هذه الحالات التي تثير الدهشة فعلا!

والكثير الكثير من المواقف التي تستفز تفكيري وتثير مخاوفي تجاه جيل يعاني من هشاشة نفسية تعيق تقدمه في دروب الحياة..جيل بكل هذا الضعف بكل تأكيد هو جيل غير مُؤهل لخوض معارك الحياة. متنصل من مسؤولياته تجاه المجتمع وقضاياه وهمومه.

والسؤال الأهم ماهي أسباب هذه الهشاشة النفسية التي جعلت هذا الجيل بهذا الضعف وهذه القابلية للكسر والانهيار النفسي؟

الجواب تجدونه في تتمة المشاهد الثلاثة التي استعرضتها.

فصاحبتنا المنهارة من وصفها بالدلوعة قدم والدها شكوى للمديرية العامة بالمحافظة ليأخذ حق ابنته وينتقم لنفسيتها التي تدمرت جراء هذا الموقف القاسي جدًا!

وصاحباتنا طالبات الفيزياء كانت حشود من الأهالي تتوافد لأخذهن للبيت بعد الاختبار وقد تبين أن هناك اتفاق مسبق بينهم! أما العزيزة التي تعاني من فراق صديقتها فعلا قد حجزت لها والدتها موعدا في العيادة النفسية.

نعم هؤلاء الآباء والأمهات الذين أنتجوا لنا هذا الجيل المائع الضعيف كحلوى الجلي رغم جماله وشكله الذي يبدو متماسكًا إلا أنها في غاية الضعف والتفكك الداخلي جيل الآباء والأمهات جيل عاش لربما صعوبة الحياة وقسوة المعاملة وعاهد نفسه أن يدلل أولاده ولا يذيقهم ما ذاقه، ولكن في مشواره التربوي هذا يبدو أنه فقد الشعرة الرقيقة الفاصلة بين الإفراط والتفريط فكان مسخا بين الجدة والليونة والدلال والحزم حتى صار جيل أبنائهم جيلا مشوها نفسيا ضعيفا داخليًا ممتدًا في طفولته ودلاله فاشلا في عيش جدية المواقف الحياتية ومواجهة مشاكلها الحقيقية.

لذلك.. وجب علينا القلق بخصوص هذا الجيل الذي يعاني من هشاشة واضحة تستدعي عناية التربويين والمختصين ودراسة هذه الظاهرة النفسية الخطيرة التي أصابت الجيل جراء الدلال المفرط خاصة مع ظهور مشاهير التواصل الاجتماعي الذين سطحوا اهتمامات الجيل وعززوا فيهم الفردية والأنانية؛ حيث لا وجود للفكر والعلم كل الاتجاهات تشير إلى انهماك بشع والدوران في فلك الحياة الشخصية أدى إلى انغلاق شبه كلي على الذات إضافة إلى شعورهم بالتميز والتفوق بدون أدنى استحقاق لهم بذلك.

تعليق عبر الفيس بوك