مهيار الديلمي يصدح فى قصر عابدين

 

 

د. سعيد بن سليمان العيسائي **

 

يتحدث مقالنا هذا عن حفل زفاف الأميرة الإمبراطورة فوزية (5 نوفمبر 1921/ 2 يوليو 2013)- ابنة الملك أحمد فؤاد، وأخت الملك فاروق- على ولي عهد إيران محمد رضا بهلوي، ولم يكتب لهذا الزواج الاستمرار طويلًا؛ حيث استمر لمدة 5 سنوات تقريبًا من عام (1941 إلى 1945)، وأنجبت له الأميرة فوزية ابنة واحدة اسمها شاهيناز بهلوي.

واخترنا هذه المُناسبة، لأنه اختلط فيها الغناء والشعر بالتاريخ والسياسة فى زمن الفن الجميل. وأقيم هذا الحفل في قصر عابدين بحضور  الملك فاروق، ومحمد رضا بهلوي ولي عهد إيران، والملكة الأم: نازلي أم الملك فاروق فى 15 مارس 1939. وَغَنَى في هذا الحفل مجموعة من الفنانين المصريين، وعلى رأسهم: أمُّ كلثوم فى أغنيتها (مبروك على سُموك وسُموه)، وغَنَى: محمد عبد الوهاب أغنيته الشهيرة (أعجبت بي)، والتي مطلعها:

أعجبت بي بين نادي قومها *** ذات حُسن فمضت تسألُ بي

وهي من شعر مهيار الديلمي الفارسي، ونظرًا لما أثاره هذا الزواج من كتابات وآراء ووجهات نظر، وما أثير حوله في الصحافة والإعلام، وما كشفت عنه بعض أجهزة الاستخبارات الغربية، ارتأينا الكتابة عنه من وجهة نظرنا الخاصة التي مزجنا فيها بين أمور كثيرة كما ذكرنا، وهي الشعر والغناء والتاريخ والسياسة لنشكل بها لوحة فنية.

وقبل الدخول في صُلب موضوعنا، رأينا أنه من الأفضل إعطاء معلومات بسيطة مختصرة عن الشاعر: مهيار الديلمي، الذي غَنَى له الفنان الكبير: محمد عبد الوهاب أغنية (أعجبت بي)، ونبذة أخرى عن قصر عابدين.

ومهيار الديلمي هو أبو الحسن، أو أبوالحسين مِهيَارُ بن مروزيه الديّلمِيُّ (توفي 428هـ / 1037م) كاتب وشاعر فارسي الأصل، من أهل بغداد. أما قصر عابدين، فهو  جوهرة القرن التاسع عشر، وسُمِّيَ بهذا الاسم، لأنه بني على أطلال منزل قديم، كان يملكه عابدين بك، أحد أمراء الأتراك، وكان يشغل أمير اللواء السلطاني. وبُنِيَ القصر في حكم محمد علي باشا، وكان مقرًا للحاكم لمدة 90 عامًا إلى أن غادر الملك فاروق مصر عام 1952 إلى إيطاليا.

ومن أشهر الذين كتبوا عن هذا الزواج الملكة فرح ديبا، زوجة شاة إيران محمد رضا بهلوي فى مُذكراتها.

نعود إلى روائع الفنان الكبير: محمد عبد الوهاب من الغناء الفصيح التي منها قصيدة مهيار.

أعجبت بي بين نادي قومها *** ذات حُسن فمضت تسألُ بي

وأغنيته:

أخِي جَاوزَ الظالمونَ المدَى ***  فحقَّ الجهادُ، وحَقَّ الفدا

للشاعر علي محمود طه.

وأغنيته:

أنزلت آية الهُدى فى جبينك *  فإذا الشرقُ كله طور سينك

وهي من كلمات: بشارة الخوري (الأخطل الصغير) في مدح الملك فاروق.

وأغنيته:

مُضناكَ جفاهُ مَرقدهُ *** وبكاهُ ورَحّمَ عودهُ

من كلمات الشاعر: أحمد شوقي، وهي معارضة لقصيدة:

يا ليلُ الصَّبّ مَتى غدُهُ *** أقِيامُ الساعَةِ موعدهُ

للشاعر الأندلسي: علي الحصري القيرواني، وقد غَنَى هذه القصيدة عَددٌ من كِبار الفنانين العرب، ك : نور الهُدى، وفيروز، وقد أشرنا إلى هاتين القصيدتين في كتابنا (المعارضات فى الشعر العُماني).

وأغنيته:

عندما يأتي المساءُ ونجومُ الليلِ تُنْث

اسألولي الليلِ عن نجمي متى نجميَ يظهرُ

يُشار إلى أنَّ هناك عَدداً من الأغاني في الملك فاروق، غناها عَددٌ من الفنانين غير: محمد عبد الوهاب، كأمُّ كلثوم، وفريد الأطرش، وأسمهان، ونور الهُدى، وغيرهم.

ولكن حالت أسباب دون إذاعتها بعد رحيل الملك: فاروق عام 1952م لأسباب لا تخفى على الكثيرين، على الرغم من أنها قِطعٌ فنية رائعة، بغضِ النظر عمَّن قِيلت فيه.

ومُعظم هذه الأغاني كانت في احتفالية زواجه، وعيد مِيلاده، ويوم جُلوسه على العرش، وبعض المناسبات الدينية، كأغنية (يا ليلُ العيد) التي أشرنا إليها.

نشير هنا إلى أنَّ مُعظم أغاني عبد الوهاب التي أشرنا إليها كانت عَزفًا على العُود، ما عدا أغنية: (عندما يأتي المساءُ ونجومُ الليلِ تُنْثر)، وأغنيته: (أنزلت آية الهُدى فى جبينك).

ونود أن نشير هنا إلى علاقة عبد الوهاب بشوقي التي امتدت لسبع سنوات من عام 1924م، وأثمرت هذه العلاقة عن مجموعة من الأغاني أشهرها: (دمشق)، و(مُضناكَ جفاهُ مَرقدهُ)، و(النيل نجاشي) التي أشرنا إليها فى مقال نشرناه فى مجلة التكوين العُمانية قبل عِدة سنوات.

وتبنى شوقي عبد الوهاب خلال هذه المدة، وأحضر له مُعلماً يُعلمه اللغة الفرنسية، ويُقال بأنه: أقام فى بيت الشاعر الكبير أحمد شوقي طوال هذه المدة.

وقُدِّرَ لي زيارة بيت الشاعر: أحمد شوقي فى القاهرة، الذي تحوَّلَ إلى متحف، ورأيت صورة تجمعه بعبد الوهاب. ومن طريف ما نذكر، أنني عندما طلبت من سائق التاكسي إيصالي إلى المتحف، قلت له: أريد متحف: أحمد شوقي، فردَّ علي قائلاً: أحمد شوقي بك، وكان هذا لقبه فِعلياً.

وإذا انتقلنا إلى أهدافِ الزواج، فإنَّ بعضَّ الأراء تقول: بأنَّ الملك أحمد فؤاد تمنى أن يزوج بناته إلى أحد أولياء العُهود، أو الملوك فى العراق والأردن، لكن هذا الحُلم لم يتحقق بسبب انتهاء العهد الملكي عام 1952م. وهذا يُوحي لنا بأنَّ التخطيط لزواج الأميرة فوزية على ولي عهد إيران تمَّ بعد تواصل وتفاهمات مبدئية بين الملك: أحمد فؤاد، ورضا بهلوي شاه إيران، والد ولي عهد إيران: محمد رضا بهلوي. والهدف الثاني: الذي كُتِبَ عنه هو رغبة الملك: فاروق فى توسيع النفوذ المصري فى العالم الإسلامي، فجعل من المصاهرة وسيلة لتحقيق هذا الهدف. وقد يكون الهدف الثالث الذي سوف نتحدث عنه قد انبثق من الهدف الثاني، أو هو استمرار له، وهذا الهدف هو إقامة تحالف سُني شيعي فى وجه بريطانيا، وهو الهدف الذي أميل إليه لأسباب عديدة، لا يتسعُ المقال لذكرها، لأنها تحتاج إلى مقال مُستقلٍ بذاته.

أود أن أشير هنا إلى أنَّ شاه إيران رضا بهلوي لم يكن على وِفاق مع بريطانيا، فأزاحته بعد عامين من هذا الزواج تقريباً عام 1941، وكذلك الملك فاروق لم يكن على وِفاق مع بريطانيا. وهناك أدلة ووثائق وكِتابات تثبت هذا الأمر، وأحدها ما قاله عبد الحي المراغي آخر وزير داخلية فى عهد الملك فاروق فى مُذكراته التي تحامل فيها على الملك فاروق، وعندما وصل إلى "وطنيته" قال: كان الملك فاروق وطنيًا حتى النخاع. ويُقال: إنَّ علي ماهر باشا هو الذي خَطَّطَ ورَتَّبَ لهذا الزواج، وهو صاحب بعض الأهداف والاقتراحات التي أشرنا إليها.

وعلي ماهر باشا (1881- 1960) شغل منصب رئيس وزارء مصر أربع مرات من 1936 إلى 1952 على فترات مُنقطعة فى عهد الملك فاروق، وتولى مناصب أُخرى فى عهد الملك أحمد فؤاد.

واستكمالًا لحديثنا عن عدم التوافق بين بعض الأسر المالكة وبريطانيا، فإننا نود أن نُسجل كلمة للتاريخ، وهي أنَّ بعض مُلوك وسلاطين مصر وزنجبار وعُمان كانوا على غيرِ وِفاق مع بريطانيا، على عكس ما يُكتب ويُثار بأنَّ الكثير منهم كانوا مُوالين لبريطانيا والمستعمر. كما إنَّ العديد من الرموز التي درسناها وقرأنا عنها فى التاريخ بأنها رموز للنضال الوطني، ومُعادية لبريطانيا والمستعمر، اتضح لنا بعد ذلك أنهم مطايا وعُملاء لبريطانيا والمستعمر، وهذا الموضوع يحتاج لمقال مُستقل، ولا يتسع هذا المقال للتوسع فيه.

ومحطتنا الأخيرة هي أسباب الطلاق أو الانفصال؛ وقد تعددت الأراء والكتابات حول أسباب عدم استمرار الزواج، فمنهم من قال إنَّ الحياة الجديدة، والمجتمع الجديد الذي تركت الأميرة فوزية لأجله مجتمعها وأقاربها وأصدقائها وأهلها لم يُناسبها. ومنهم من رأى أنَّ الملكة الأم، وهي أمَّ ولي العهد: محمد رضا بهلوي لم تكن راضية عن الزواج، وكانت تمنت لو تزوج ابنها فتاة إيرانية بمعرفتها، أو من أقاربها. ومنهم من رأى:أنَّ اللغة كانت سببًا آخر، أو أحد الأسباب التي أدت إلى الطلاق، فقد كان محمد رضا بهلوي يجيد الانجليزية والفرنسية والفارسية، بينما كانت فوزية تجيد التركية والفرنسية والعربية. وقيل إنَّ لغة التفاهم التي كانت بينهما هي اللغة الفرنسية، لأنَّ الاثنين كانا يجيدان هذه اللغة.

وهناك أحد مُلوك السعودية تزوج من تركية، وسمعت مقابلة مع أحد أولاده يقول فيها: إنَّ لغة التفاهم بين والدته التركية ووالده كانت عن طريق مُترجم.

وتزوج السيد سعيد بن سلطان عَددًا من الزوجات، بعضهنَّ لم يكنَّ عربيات، كأم السيدة سالمة الشركسية، والأميرة الإيرانية التي لم يدم زواجه معها طويلًا.

وهناك بعض القصص والروايات حول أسباب الطلاق، يمكن أن يعدُّ بعضها من اللغط الذي تحرجنا من ذكره فى هذا المقال.

وأخيرًا.. نرجو أن نكون قد قدَّمنا للقارئ الكريم مقالاً مُختصراً عن زواج الشاه: محمد رضا بهلوي، والأميرة الإمبراطورة فوزية، وهو مزيج من الفن والشعر والسياسة والتاريخ كما قلنا، وإلى لقاء آخر بإذن الله.

** كاتب وأكاديمي

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة