صندوق النقد وحالة الاقتصاد العالمي

 

علي الرئيسي **

 

يبدو أن التعافي الاقتصادي الذي كان يُراهَن عليه بعد جائحة "كوفيد-19" وصل إلى نهايته؛ فها هو صندوق النقد الدولي في قراءته للاقتصاد العالمي يُحذر من كساد قادم، ويخفّض بشكل كبير من توقعات النمو لعام 2023.

ويحذر الصندوق من أن التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، إلى جانب آثار الحرب الروسية الأوكرانية، وأزمة العقار في الصين، بالإضافة إلى سياستها بالنسبة لمكافحة "كوفيد-19"، والسياسات النقدية المتشددة من قبل البنوك المركزية الغربية برفع أسعار الفائدة، عوامل مجتمعة ستؤدي لا محالة إلى ركود عالمي.

وفي الاجتماع السنوي لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية الذي يُعقد حاليًا في العاصمة الأمريكية واشنطن، خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو لعام 2023 إلى 2.7% مع احتمال بنسبة 25% أن يبلغ النمو 2% فقط، وذلك مقارنة بنمو سيبلغ 3.2% للعام الجاري 2022، وذلك هو ثالث نمو ضعيف للاقتصاد العالمي منذ عام 2001، بعد الأزمة المالية في عام 2008 وبعد أزمة كوفيد-19. وقد حذر الصندوق من أن "القادم سيكون الأسوأ ولمعظم الناس سيبدو عام 2023 هو عام ركود اقتصادي".

ويتوقع الصندوق أن يرتفع التضخم في نهاية هذا العام، وسيبقى مرتفعًا رغم السياسات المتشددة برفع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية؛ حيث يتوقع أن يرتفع التضخم إلى 8.8% خلال هذا العام وذلك صعودًا من 4.7% في عام 2021، على أن يتراجع إلى 6.5% في عام 2023 وإلى 4.1% في عام 2024. وحذر الصندوق من أن رفع أسعار الفائدة وإن كان ضروريًا للسيطرة على التضخم إلّا أنه سيقود إلى عدم استقرار في الاقتصاد العالمي وسيؤثر سلبًا على الأسواق الناشئة والنامية، مما سيدفع بالمستثمرين الى اللجوء الى الملاذات الاستثمارية والعملات الأكثر أمانًا، الأمر الذي سيضاعف من قوة الدولار الأمريكي أمام العملات الأخرى، ويؤثر على موازين المدفوعات وقدرة هذه الدول على سداد ديونها بالعملات الأجنبية، وهنا يزيد من احتمال خلق أزمة ديون عالمية.

ويتوقع الصندوق أن اقتصاد الولايات المتحدة سينمو بنسبة 1.6% خلال هذا العام، بينما سيبلغ نموه 1% في عام 2023. كما قام الصندوق بخفض توقعاته بالنسبة لنمو الاقتصاد الصيني؛ حيث سيبلغ معدل النمو 3.2% في هذا العام وسيرتفع إلى 4.4% في عام 2024. وحسب الصندوق، هذا الانخفاض في نمو اقتصاد الصين- ونظرًا لحجم اقتصاد هذا البلد- سيؤثر سلبًا على سلاسل التوريد. ويعود تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني الى الإغلاقات التي تقوم بها الصين في محاربة تفشي انتشار كوفيد 19، والى المشاكل التي يعانيها قطاع العقارات وهشاشة وضع المصارف.

وتوقع الصندوق أن بعض أهم الاقتصادات الأوروبية ستدخل في حالة "ركود تقني" وبالذات كل من ألمانيا وإيطاليا؛ حيث إن زيادة أسعار الطاقة ستؤثر سلبًا على معدلات الإنتاج في هذين البلدين. وانتقد الصندوق سياسة الحكومة البريطانية المحافِظة؛ حيث قامت بخفض الضرائب وحذرت من أن السياسة المالية الحالية تصعّب من عملية احتواء التضخم من قبل بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني)، كما ستؤدي إلى عدم استقرار في الأسواق المالية واضطراب في المصارف.

إنَّ زيادة الضغوط الاقتصادية إضافة الى ضعف السيولة، ومعدلات التضخم المرتفعة، وهشاشة الوضع المالي للبنوك، ستضاعف من مخاطر إعادة تقييم أسعار الأصول بشكل غير نظامي، وإلى انتقال المخاطر بين الأسواق المالية، وذلك حسب ما ورد في تقرير الاستقرار المالي العالمي لصندوق النقد الدولي.

** باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية