ماجد المرهون
من المعلوم أنَّ كل دول العالم تُكافح الفقر بوسائلٍ وطرقٍ شتى، منها ماهو واضح وظاهر كوضع خطط الدعم والتأهيل والتوظيف وخلق فرص عمل ومنها ما هو غير مُعلنٍ بشكلٍ مباشر كمحاربة الفساد والجريمة والأمية والتمييز الاجتماعي بأنواعه؛ كالعرقية والطائفية حتى لا يطغى قومٌ على قوم، وكل ذلك بقصد التقليل أو الحد من زيادة عدد الفقراء وهم في ازدياد، كما تقوم بعض الدول بتشديد قوانين الهجرة وتقييد قبول الأيدي العاملة الوافدة لنفس الغرض ولأغراضٍ اقتصادية وأمنية واجتماعية لها انعكاساتها على المدى الطويل.
عندما نتحدثُ عن خط الفقر المُعلن دوليًا من خلال إصدارات الأمم المتحدة حول الحد الأدنى للأجور، فعلينا أن نميّز بينه وبين الفقر المدقع، وكما هو معروف أن المعطيات إذا زادت فقويت النتائج فهل نحن من ضمن الدول المدرجة في تلك القائمة؟ وما مقياسنا المحلي لتعريفه؟ وهل لدينا معيار مستقل لتقييم الفقر؟ أم نكتفي بالسقف المُحدد دوليًا واعتبارة مخزنًا للقيمة مثل ما هو الحال مع سعر صرف الدولار، ونتغاضى عن الفوارق المعيشية المتباينة بين دولةٍ وأخرى؟! حيث لا ولن يُقبل أن تشترك دولة خليجية اليوم في ذلك المقياس، وإن فعلت من خلال تصريحٍ بالخط العريض يشوبه شيء من نبرة الإنجاز وأشركت نفسها قسرًا، فلا فخر في ذلك، إذا ما قارنا معدل دخل الفرد في دولٍ تصدر العمالة الرخيصة بالجملة ذات مستوى فقر مدقع لا يتجاوز معدل دخل الفرد اليومي دولارين، مع مستوى المعيشة لمواطن خليجي وناتج الدخل المحلي للدولة، وصرفنا النظر عن نوعية الحياة التي اعتادها لعشراتٍ من السنين الماضية ونحن في زمن المقارنات.
كان ازدياد عدد المهاجرين إلى بريطانيا هو الدافع الأكبر لخروجها من الاتحاد الأوروبي وتنبهت إلى خطورة التغير الديموغرافي عليها وما يصاحبه من زيادة في معدل الجريمة والخوف من الإرهاب وتشديد الإجراءات الأمنية؛ الأمر الذي ألقى مزيدًا من العبء على كاهل مؤسسات الدولة بشكل عام، فضلًا عن التغيير الذي سيطرأ على الهوية الشخصية للمواطن الأصلي من عادات وأفكارٍ وسلوكٍ مضاد قد يفجّر نزاعات داخلية وعنفاً، إضافة إلى جانب الاقتصاد العام وما يترتب عليه من تحويل الأموال إلى خارج الدولة بدلًا من بقائها وتدويرها داخليًا.
قبل 30 عامًا أو يزيد قليلًا لم يكن التسوُّل يشكل ظاهرةً مؤثرةً على مجتمعنا الشهير بالتكافل ولم يتبادر إلى ذهن أحدٍ منِّا مجرد قبول فكرة شخصٍ يمد يده ويسأل الناس إلحافًا، أو إنسان يبحث في حاويات القمامة عن ما هو قابل للبيع؛ بل ونستكبر هذا الحدث إذا ما سمعنا به في دولةٍ أخرى وتُخالطُنا كثير من مشاعر الحزن والأسى وتستمر لوقتٍ غير قصير، ولكنه بات اليوم أمرًا شائعًا ومقبولًا إلى حدٍ بعيد، وقد لا يشعر أحدٌ بشيءٍ من المشاعر الإنسانية الطبيعية عند مشاهدة مثل هذه المواقف إلا قليلًا من التعاطف عند البعض ما يبلث أن يزول بزوال المشهد. ويشير هذا الأمر إلى تغيير ثقافي دخيل ومستورد إلينا مع عمالة وافدة من مجتمعات ذات فقر مدقع مقبول لديهم وصار مقبولًا لدينا ونراه اليوم من المُسلمات.
لذلك بتنا نرى من ينافس المواطن في لقمة عيشه ومرافق حياته اليومية، وقد يقول قائلٌ: الله الرازق وعلى كل إنسان السعي وكلها أرض الله، وإلى آخره من العبارات التي يرددها البعض لقطع طريق الأفكار وتستهدف إنهاء الحديث. نعم هذا القول صحيح شرعًا، ولكنه ليس مسوغًا للقبول إذا ما أردنا الأخذ بالأسباب، كما أخذنا بأسباب الأرقام التي تصدر دوليًا. فعندما تستفيد قلة قليلةً من سابري أغوار القوانين ومخترقي ثغراتها فائدةً غير شرعية باستجلاب الفقراء من دولٍ يُسعدها تصديرهم والتخلص من عبئهم لإعادة تدويرهم في دولٍ أخرى بها فقراؤها المحليون، ثم يتحولون إلى عنصر منتج على حساب القيم والقوانين ويُحول لها الأموال ولا يستهلكها شيئًا، فإننا نكون قد رضينا بشكلٍ غير مباشر أن تكبر مجتمعاتهم وسط مجتمعنا بما فيه من تطفل صامت، ثم تتغول مع مرور الوقت ليزداد مستوى التنافس بينهم وبين المواطن الأصلي ويزداد معه الغش والخداع والرشاوى، وتُقبل مع مرور الوقت وتكثر الجريمة ويصبح عددهم بالمقارنة مع عدد المواطنين أمرًا مُقلقًا، ويستدعي الأمر إعادة النظر فيه. فهناك من الوافدين فقراء، يأتون من بلادهم واضعين نصب أعينهم الكسب بأكبر قدر وأقل وقت ممكن وبكل الطرق المباحة والشرعية والملتوية، ولن يبالي أحدهم بما قد يخلفه من أضرارٍ على الإنسان والبيئة بقدر ما يبالي بمواصلة التكسب والتربح، وجل همه أنه هنا لوقت محدود وعليه استغلاله الاستغلال الأمثل بكل السبل والولاء أخيرًا إلى وطنه الأم ومسقط رأسه وإن جار عليه.
لم تُلزمنا حقوق الإنسان كرهًا باستجلاب وافدين بنسبٍ محددة وأعدادٍ غفيرة من مجتمعات فقيرة، ولكنها ستلزمنا عند وصولهم بمُعاملتهم قانونيًا بحسب شروطها ولن تبالي بنشر تقاريرها دوليًا حتى وإن كانت تفتقر إلى بعض من المصداقية والمهنية، وإن كان مبدأ تعاملنا يستند على قواعد متينة مبنية على أصول دينية وموروثات أخلاقية حميدة تجعل من الرحمة أساس كل تعامل إلا أن ذلك لن يؤخذ بالاعتبار في حال وجود حالات استثنائية نادرة.