ناصر بن سلطان العموري
كنتُ ضمن المدعوين لحفل ختام فعالية "هاكثون- رحال"، وذلك بتنظيم من الفريق الشبابي فريق "غبشة" وبالتعاون مع اللجنة الشبابية بنادي بُهلا بمحافظة الداخلية، ومن الطبيعي أن يتساءل القراء عن معنى اسم "هاكثون"- كما أثار فضولي- كونه مصطلحًا غير متداول بكثرة، وهو ما وجدت إجابته في تقرير لموقع قناة الجزيرة الإخبارية.
الهاكثون (Hackathon) عبارة عن فعالية تجمع المتخصصّين في مختلف تطبيقات البحث والتطوير العلميّ والطبيّ والاجتماعيّ وغيرها من المجالات، وصار لكلّ فعاليّةِ هاكَثون ثيمة معيّنة تحدّد طبيعة الأفكار والمشاريع الّتي سيقوم بطرحها المشاركون خلال أيام التقائهم، ومن المفترض أن تقوم شركات وجهات داعمة برعاية الفعاليّة وتزويد المشاركين بالموارد الماديّة والمعنويّة اللّازمة خلال ساعات العمل، كما تتشكّل لجنة من الحكّام الممثلين لهذه الجهات الداعمة وآخرين من أصحاب الخبرات والإنجازات مهمّتهم تقييم المشاريع المقدمة عند انتهاء الفعاليّة وتوزيع الجوائز المادّيّة والعينيّة أو تبنّي بعض هذه المشاريع لتصبح حقيقة مطبقة/ باختصار (الهاكثون) ثقافة يحتاجها العالم العربي تطبيقها لحل جزء من مشكلاته بأسلوب علمي بحت" عوضا عن العشوائية والفردية في اتخاذ القرارات مما يؤثر سلبًا على الفرد والمجتمع.
ولنرجع لمحور حديثنا؛ حيث استهدف "هاكثون- رحال" الشباب العماني من الجنسين من مختلف ولايات محافظة الداخلية وكان هدف البرنامج بالدرجة الأولى تنمية مهارات الشباب في مجال صناعة السياحة في البيئة العمانية وتحديدًا في محافظة الداخلية وما تملكه من مواقع سياحية خلابة. واستضاف البرنامج 30 مشاركًا من الجنسين، وكانت الفئة العمرية المستهدفة ما بين 18- 25 سنة لمدة أسبوع، تم تقسيمهم إلى مجموعات للعمل على أفكار لمشاريع ومبادرات سياحية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وإثرائهم عبر مجموعة من الورش والتحديات للمشتركين والتي من شأنها أن تساعدهم خلال رحلتهم في البحث عن مشاريع جديدة ليتم عبر لجنة متخصصة مختارة من أصحاب الخبرات في مجالات متنوعة اختيار أفضل فكرة لمشروع سياحي من بين الأفكار المطروحة.
أولى الهاكثون أهمية كبرى لصناعة السياحة وتمكين الشباب العماني من العمل بالقطاع السياحي؛ مما يسهم في ظهور مشاريع وأفكار سياحية مبدعة وغير مألوفة، تُثري السياحة في محافظة الداخلية خصوصا والسلطنة على وجه العموم.
كان الهدف الأسمى من البرنامج زيادة الوعي المجتمعي والشبابي بأهمية السياحة والمساهمة في التنويع الاقتصادي وما سوف يضيفه لدخل السلطنة، وكذلك تشجيع المؤسسات الصغيرة والكبيرة لولوج في المشاريع السياحية لتوفير فرص عمل للباحثين في محافظة الداخلية.
وكما علمت شخصيًا من القائمين على الحملة أنهم عانوا من صعوبات وعراقيل عدة؛ نوجزها في: صعوبة الحصول على دعم سواء من الجهات الحكومية أو من الجهات الخاصة، والأصعب كان من الجهات الحكومية نتيجة الإجراءات البيروقراطية، كما إن بعض الجهات الحكومية تركز على موضوع الظهور الجماهيري والإعلامي (الدعاية لها!) لما تقدمه للفعالية أكثر من نوعية الدعم المقدم نفسه.
المشاريع الفائزة في البرنامج كانت بحق مشاريع متميزة؛ تنوعت مجالاتها السياحية في الاستغلال الأمثل للسياحة المحلية، لا سيما في محافظة الداخلية، فقد كان المشروع الفائز بالمركز الأول عن البيئة العمانية الزراعية البحتة، وكيف عاش العماني قديمًا في مزرعته واعتنى بها، كجزء لا يتجزأ من حياته اليومية. فيما كان الفائز بالمركز الثاني مشروع يعنى بالبيئة الجبلية السياحية، وكان النموذج هو "جبل هاط" بولاية الحمراء وكيفية استغلاله سياحيًا. بينما حصل مشروع استغلال الكهوف الأثرية سياحيا على المركز الثالث، وكان النموذج هنا هو كهف جرنان الأثري بولاية إزكي، فيما كانت بقية المشاريع المشاركة غاية في التميز. وأذكر هنا مقولة لأحد المحكمين في المسابقة سمعتها منه "إن جمالية وإبداع الأفكار في المشاريع والتي خرجت من جيل الشباب المشارك في الفعالية أكثر مما هي موجودة على أرض الواقع من أصحاب الأعمال والأموال".
إنها رسالة نوجهها عبر هذا المقال لشركات القطاع الخاص والمستثمرين بضرورة الإيمان بقدرات الشباب الإنتاجية ودعم مثل هذه المشاريع المتميزة وكذلك للجهات الحكومية ذات العلاقة في تسهيل الإجراءات لخروجها لحيز الوجود، وتشجيع مثل هذه البرامج والفعاليات من قبل المجتمع المحلي والجهات الحكومية وتقديم الدعم المالي واللوجستي لها، وإعطاء الفرصة لجيل اليوم للتعبير عن أنفسهم وإبراز مهاراتهم بالشكل الأمثل، وما يمكن أن يقدموه من أفكار براقة تماثل ما تقدمه الشركات الأجنبية؛ بل وتتفوق عليه متى ما أعطيت لهم الفرصة؛ فالشباب منجم واعد وزاخر بالأفكار، ولا ينضب.