د. خالد بن علي الخوالدي
تقوم وزارة التربية والتعليم بجهود كبيرة في الجوانب التعليمية والتربوية، وتُعلن في بداية كل عام دراسي عن خطتها وأهدافها وبرامجها، ومن بين الخطط التي أعلنت عنها منذ سنوات طويلة خطة إغلاق المدارس المسائية لما لها من تأثير كبير على مستوى الطلبة من الناحية التحصيلية والمعرفية، وكنَّا نتأمل أن تكون هذه الخطة الراقية واقعا على أرض الواقع وتخلصنا من المدارس المسائية لأن العالم من حولنا وصل إلى مستويات مبتكرة ومتميزة في التعليم نخجل من ذكرها، وما حدث أن هذه الخطة انقلبت رأسًا على عقب نتيجة عدم التخطيط الجيِّد؛ حيث زاد عدد المدارس المسائية بشكل كبير.
وقد صرحت الوزارة بإغلاق المدارس المسائية في العام الدراسي (2014/ 2015) وهذا نص الخبر المنشور بتاريخ 19/ 11/ 2011: "نظرا لوجود مدارس ما زالت تعمل في الفترة المسائية، والذي يؤدي إلى التقليل من زمن التدريس بهذه المدارس، فإن تحويل المدارس من الدوام المسائي إلى الدوام الصباحي يمثل أحد الأهداف الإستراتيجية للوزارة وإحدى أولوياتها، وذلك للإيجابيات الكثيرة بأن تعمل جميع المدارس في الفترة الصباحية (دوام اليوم الكامل)، كما أن هذا الأمر يمثل أحد مستلزمات ومتطلبات تعميم تطبيق التعليم الأساسي، وقد اقتربت الوزارة من تحقيق هدفها في إلغاء دوام الفترة المسائية بتحويلها إلى دوام الفترة الصباحية، ففي العام الدراسي الجديد (2011/ 2012م) لن يكون هناك سوى 54 مدرسة فقط تعمل في الفترة المسائية، لا تمثل سوى 5% من إجمالي المدارس الحكومية؛ أي أقل بـ17 مدرسة من العام الدراسي الماضي؛ حيث كان عدد المدارس المسائية 71 مدرسة، مقابل 983 مدرسة ستعمل بالفترة الصباحية، بنسبة 95%، علمًا بأنَّ إجمالي عدد الطلبة بهذه المدارس الأربع والخمسين يضم 2.7% فقط من إجمالي الطلاب؛ أي أن 97.3% من طلاب المدارس الحكومية يتلقون تعليمهم بمدارس تعمل بالفترة الصباحية، وسيتم إسدال الستار على المدارس المسائية مع بداية العام الدراسي (2014/ 2015م)، حيث سيتم فيه إغلاق آخر مدرسة مسائية حكومية". انتهى الخبر.
وبعد هذا الخبر الصريح لا جدوى من الحديث عن سلبيات الدوام المسائي على الطلبة والهيئة الإدارية والتدريسية وأولياء الأمور، فكل ما يمكن أن يُقال، معروف ومعلوم لدى الوزارة الموقرة، فقد قطعت الوزارة على نفسها وعدًا بأنه سوف يتم إغلاق آخر مدرسة مسائية في العام الدراسي (2014/ 2015) وها نحن نستقبل العام الدراسي (2022/ 2023) بزيادة غير مسبوقة في عدد المدارس المسائية. وهذه الزيادة مرهقة على الوزارة والحكومة ماليا حيث إنها ملزمة بتوفير طاقم متكامل من هيئة إدارية وتعليمية وحافلات مدرسية ومستلزمات أخرى لمدرستين صباحية ومسائية، وهي مرهقة من ناحية جودة التعليم والأداء الصفي للمعلمين والمعلمات في أجواء الصيف الحارقة التي تعيشها السلطنة في أشهر (9) (10) (11) (12) و(4) (5) (6) يعني أن أغلب شهور الدراسة في الحر.
وسوف أذكر عددا من الملاحظات التي وصلتني حول سلبيات الدراسة المسائية من باب التذكير فقط بينما هي معروفة لدى الوزارة والمسؤولين فيها، اضطراب نوم الأطفال والإرهاق الشديد الذي يصيبهم، وإذا كان الأب والأم موظفين فهذا يعني أن الطفل تحت رحمة (عاملة المنزل) إلى جانب قلة الاستيعاب للدروس. فعلميًا الطفل تقل نسبة تركيزه ونشاطه بعد الظهر، علاوة على تعارض حياة الطفل الذي يدرس في الفترة المسائية مع جدول أقرانه، لذا يفقد العديد من المميزات خاصة اللعب والمرح، وتعرض الأطفال لحالات الإغماء نتيجة الإرهاق في الأجواء الحارة (حيث إن الفسحة المدرسية الساعة 2 ظهرًا!!)، إلى جانب أن انتظار الحافلات يبدأ من الساعة 11 صباحًا وهكذا. كما إن المدارس غير مهيأة أصلا للدراسة المسائية، ولا وقت للمذاكرة وحل الواجبات، خاصة إذا كان والدا الطالب يعملان في الفترة الصباحية، بينما الأم المعلمة والموظفة تصبح مشتتة بين أبناء يدرسون في الفترة الصباحية وأبناء يدرسون في الفترة المسائية، ناهيك عن قصر وقت الدوام وخلوّه في كثير من الأحيان من الأنشطة الرياضية والترفيهية والتي هي من أهم الوسائل التي تساهم في الارتقاء بالتعليم.
وعليه.. نقول إن المدارس المسائية لا تحقق إشباعًا تعليميًا ولا تربويًا للطلاب، كما إنه يلاحظ انخفاض مستوى أداء المعلمين والمعلمات وحاجتهم إلى بذل المزيد من الجهد لتوصيل المعلومة. والحل في التخطيط السليم في معرفة الزيادة الحاصلة في المواليد من الجهات المختصة وهي بيانات متوفرة بسهولة، وبناء مدارس جديدة وتوسعة المدارس الحالية وتحديثها واستئجار مبانٍ في حالة عدم توفر المدارس وغيرها من الحلول التي يمكن للوزارة الاستعانة بها.. ودمتم ودامت عُمان بخير.