"لين شفت ظبي النفود مبرقعاتي"

 

 

عائشة بنت أحمد بن سويدان البلوشية

 

تختلف الأقنعة عن البراقع؛ حيث يُقال إنَّ ظهور الأقنعة كرمز ثقافي في إيطاليا منذ القرون الوسطى، عندما كان الناس يجتمعون في البندقية للاحتفال في ميدان سان ماركو في كرنفال سنوي مرتدين أقنعة تُخفي وجوههم، الذي يعود إلى عصر النهضة، الذي أُلغي خلال القرن الثامن عشر، وأهمل لعقود من الزمن قبل أن يعود في ثمانينيات القرن الماضي، حيث يتميز الكرنفال اليوم بأقنعته الملونة والمزركشة التي تضفي الغموض على هوية أصحابها، ويجب أنْ يكون الشخص مقنعا كشرط أساسي للمشاركة في الكرنفال، ويجب اختيار القناع من بين خمسة خيارات تمثل خمس شخصيات وهي باوتا أو كولومبين أو طبيب الطاعون أو موريتا أو فولتو، وقد أضاف هذا المهرجان شهرة أنعشت جانب السياحة الثقافية على هذه المدينة الشهيرة.

"البراقع".. إنِّها إحدى روائع الشعر النبطي للأمير خالد الفيصل، "ما هقيت إنَّ البراقع يفتنني" كانت استهلال القصيدة، فهو لم يكن يتوقع أنه سيفتن بالبراقع التي تُغطي 85- 90% من وجه المرأة العربية، "لين شفت ظبي النفود مبرقعاتي"، حتى رأى بعض الحسان -مشبها إياهن بالظباء- يرتدين البراقع التي تخفي أكثر مما تظهر، لذا وجد جمال البراقع من خلال إبراز جمال الذي يظهرنه، فقد بادر في البيت الذي يليه بأسلوب تعجب جميل: "الله أكبر يا عيون ناظري // فاتنات ناعسات ساحراتي"، ويستمر في قصيدته المغناة التي سطرت الجمال الذي تضفيه البراقع على المرأة.

البراقع -حتى عهد قريب- في مختلف محافظات سلطنة عُمان كانت من أهم ملحقات زي المرأة الحرة، وما زال بعض النساء يحتفظن بهذه القطعة المهمة في زيهن اليومي عند الخروج من المنزل أو لحضور المناسبات المختلفة، وكانت حرفة صناعة البراقع تدر دخلًا لا بأس به لكل من تمتهن هذه الحرفة الدقيقة، كما أن الطلب يزداد على التي تفنن وتتقن خياطة البرقع الذي يختلف من محافظة إلى أخرى، فبعضها يتم حياكته من القماش، والبعض الآخر من ورق خاص ذي لون ذهبي يميل إلى الاخضرار، وغيره يميل إلى الحمرة الداكنة.

حرصت المرأة، الخليجية بشكل عام، والعُمانية بشكل خاص، على الاهتمام بالبرقع كسمة ثقافية تتمسك بها، وقطعة من سترها لا تتنازل عنها، ولا يسمح للفتاة بارتداء البرقع إلا بعد الزواج، لهذا كانت الفتيات ينتظرن هذا الحدث كي يلتحقن بركب السيدات ويرتدين البرقع، وقد حرصت الكثير من نساء عُمان على دمج الفضة بالبرقع بديلا للخيوط التي تثبته على الوجه، وبعضهن يقمن بلضم جنيهات الذهب بعرض جبهة البرقع ويعرف بـ"برقع الحروف"، وغيرها من أساليب التنافس التي أخرجت نماذج جميلة جدًا لهذه القطعة الآخذة في الاندثار، بسبب العزوف عن ارتدائه.

يختلف البرقع البدوي عن الحضري من حيث تناسب مساحة ما يخفي مما يظهر، أما البرقع الذي ترتديه النسوة في محافظة ظفار، فهو يختلف من حيث الألوان المستخدمة، والنقوش والزخارف الجميلة التي تزينه، والذي يكون به أقرب إلى القناع من البرقع.

على الرغم من الفعاليات الكثيرة على هامش كل مهرجان واحتفال، ووجود العديد من الحرفيين رجالا ونساء يستعرضون نتائج حرفهم، إلا إنني وللأسف لم أقف يوما على من تحيك برقعا في مثل هذه المناسبات.

 

--------------------------------------------

توقيع:

وإذا الشدائدُ أقبلتْ بجنودِهَا // والدهرُ من بَعد المسرّة أوجعَك.

لا ترجُ شيئًا من أخٍ أو صَاحبٍ // أرأيت ظلّكَ في الظلامِ مَشى معَك.

وارفعْ يَديكَ إلى السَّماءِ ففوقهَا // رب إذا نَاديتَه مَا ضيَّعك.

شعر/ محمد رباح الغزي.