الشراكة بين المؤسسات التعليمية والمجتمع

 

عيسى بن سعيد الصلتي

كُلنا يعلم أنَّ التعليم في سلطنة عُمان مَرَّ بمراحل تاريخية متطورة من حيث المكان الذي يتلقى فيه طالب العلم التعليم، وقد بدأ التعليم في مسيرته التطويرية من ما يُطلق عليه "الكُتّاب"، إضافة إلى مجالس التعليم في المساجد أو بيوت العُلماء، فكان التعليم يتم في مُحيط مجتمعي وأسري واحد، وكان كل من المجتمع المدني المتمثل في الأسر والمؤسسة التعليمية المتمثلة في الكتاتيب ومعلمي مجالس العلم يشكلون نسيجا أسريا متكاملا ومتجانسا توجيهًا وإشرافًا وتربيةً وتثقيفًا.

واليوم بما تشهده السلطنة بشكل عام من توسع ديموغرافي وجغرافي واسع، وفجوة الأفكار والثقافات والمفاهيم المتباينة بين الخليط المجتمعي من جانب والقائمين على العملية التربوية والتعليمية من جانب آخر، إضافة إلى فجوة التواصل بين المؤسسات التعليمية والمجتمع، وضعف العلاقة التعاونية في التشارك بالبناء التربوي والأخلاقي للطلاب، أثر في التكامل بين المجتمع والمؤسسة التعليمية في الأدوار التربوية والتثقيفية، الذي بالتالي أفقد كثيراً من الطلاب القيم والمبادئ الأخلاقية والاجتماعية.

لذا يتطلب الموقف وجود علاقة تعاونية وتكاملية بين المؤسسات التربوية التعليمية والمجتمعات المحلية، وتفعيل العلاقة للإسهام في تجويد مخرجات التعليم تربية وتعليمًا، إذ إن هناك علاقة متلازمة بين مؤسسات التعليم والمجتمع، وأن تأخذ هذه المؤسسات التعليمية دورها الاجتماعي إلى جانب دورها التعليمي، وأن لا يقتصر دورها فقط في نطاق أسوارها إنما يتعدى ذلك إلى خارج تلك الأسوار، لتمارس دورا حيويا في المجتمع المدني بتفاعل وفاعلية وتعاون تلبي فيه احتياجات المجتمع التربوية التعليمية.

والمؤسسة التعليمية هي في حد ذاتها نتاج المُجتمع وفكره وثقافته، وحاضنة أبنائه، ينهلون منها المعرفة والمهارة، وتصقل  الشخصية وترسم ملامحها المستقبلية، وهي الكاشف لكوامن الإبداع والموهبة، وهي مصدر المعرفة الثقافية لتاريخ البلد وفهم نظامه الاجتماعي، وهي المصنع الذي يتشكل فيه شخصية الطالب النفسية والاجتماعية، وهي من تسهم في الوعي الثقافي والديني والاجتماعي والبيئي لدى الطلاب، من خلال تفاعلها مع المتغيرات الحديثة في الجوانب الاجتماعية والثقافية والنفسية، ليستطيع الطالب فيما بعد مواجهة التحديات الحديثة في تلك الجوانب، كما أنها هي المؤسسة المعنية بوظيفة التربية، وأنها مؤسسة اجتماعية رسمية عليها أن تقوم بوظيفتها التربوية التعليمية في خط متوازٍ وعلى السواء، فهي الناقل للمعرفة العلمية والمعرفة الثقافية، وفيها يبني الطالب علاقاته الاجتماعية مع أقرانه الطلاب بمختلف آيدلوجياتهم الثقافية والدينية، فعليها أن تنظم هذا التفاعل وهذه العملية بين طلابها والمجتمع المحيط.

وبطبيعة الحال فإنَّ التربية الشاملة وتكاملية الأدوار بين المؤسسات التعليمية والمجتمع، لا تتأتى إلا بالتعاون المتبادل والمشترك، وتعتبر الأسرة المؤسسة المدنية المجتمعية الأولى التي عليها أن تُظهر التعاون مع المؤسسات التعليمية وتعمل لأجله، كما على باقي المحاضن الأخرى كالمساجد والأندية وغيرها أن تدخل في المنظومة التربوية التعليمية.

ولا ريب أن هذا التعاون يتمخض عنه تعزيز التربية الأخلاقية ورفع مستوى تحصيلهم الدراسي، كما سيفتح آفاق الاستفادة المتبادلة بين القائمين على حقل التربية وأفراد المجتمع في تبادل الخبرات والآراء التي تطور العملية التعليمية في الدولة، وتفعيل طاقات وإمكانات الكادر التربوي والإداري وحتى الطلاب أنفسهم، والاستفادة من تلك الإمكانات والطاقات في مصلحة المجتمع والدولة.

والعلاقة بين المؤسسات التعليمية والمجتمع هي علاقة عضوية وطبيعية، وأي فتور في هذا العلاقة سينعكس سلباً على الطلاب من حيث متابعة تحصيلهم الدراسي، وعلى المجتمع المدني الذي لا شك ستسوده ظواهر اجتماعية متغيرة، أن يوطد العلاقة بين إدارة المؤسسات التعليمية وأولياء الأمور، وهذا يتمثل في تفعيل دور مجلس الآباء والأمهات والمعلمين.

والعملية التعليمية والتربوية، عملية تفاعلية بين عناصر بيائتها الداخلية والخارجية، والمجتمع هو أحد عناصر هذه العملية، ولتكتمل رسالة المؤسسة التعليمية والمجتمع في هذه العملية وتبلغ أهدافها المنشودة والمرجوة منها، لابد من تفعيل هذه العملية التفاعلية والتشاركية والتعاونية، وهذا كله ينصب في مصلحة الطالب الذي هو في الأصل محور العملية التعليمية والتربوية، وهو السبب في إنشاء النظام التعليمي ومؤسساته، التي يستسقي منها العلم والمعرفة والقيم والمبادئ والمهارات الفنية والحياتية؛ إذ إنها عجلة التنمية والموارد المستقبلية لبناء الوطن، وإحدى مسؤوليات الأسرة والمجتمع والدولة على حد سواء.

وهذه المسؤوليات تحتاج إلى إدارة تنظيمية متكاملة العناصر؛ ليقوم كل عنصر بدوره مع العناصر الآخر، ويتطلب رسم خطط سنوية يضاف لها البُعد الاجتماعي، وخطط إجرائية لتفعيل هذا الدور وهذه الوظيفة، للإسهام في الإصلاح المجتمعي من حيث تقويم الناشئة على القيم والمبادئ السمحة والأخلاق الحميدة، وتوطيد عرى العلاقات بين أولياء أمور الطلاب والكادر التعليمي والتربوي والإداري بالمؤسسة التعليمية، وتبادل التجارب والخبرات التربوية بين أولياء أمور الطلاب والكادر التربوي من معلمين وأخصائيين اجتماعيين، وتذليل الصعاب والتحديات التي تواجه الطلاب وحل مشكلاتهم بتبادل الآراء والحلول.

إنَّ الشراكة بين مؤسسات التعليم والمجتمع بمؤسساته وأفراده، أصبحت ضرورة مُلحة وثقافة لا بُد من تعميمها على جميع أفراد المجتمع والمؤسسات؛ لتحقيق التنمية المستدامة في قطاع التعليم؛ باعتباره ركيزة التنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ومن ثم يتحقق وجود مؤسسات تعليمية مجتمعية، وتصبح بالفعل التربية والتعليم مسؤولية وطنية تشمل الأسرة والأفراد والمجتمع والمؤسسات المدنية والاجتماعية والتربوية والمؤسسات الحكومية المعنية بالتربية والتعليم ومؤسسات القطاع الخاص كل حسب مسؤولياته وأدواره.

تعليق عبر الفيس بوك