الكاراتيه.. سر من أسرار الحياة

المنذر بن محمد العلوي

في رياضة الكاراتيه نحاكي المدرب في الأداء الحركي، ونرى تفاوت القوة بيننا، ويخطر في أذهاننا أن الفروقات العمرية والتقوية الجسدية هي السبب الأساسي والكامل، وعندما تدربنا لأول مرة، فإن الحركات لا تخرج بالشكل الأساسي، ولا تستدير الأيدي بطريقة سليمة ولا تخرج منا أي طاقة، فنتعجب من الأداء المبهر للحركات، ولكن لكل شيء سر!

في أسرار الكاراتيه للإرتكاز الأساسي؛ فللأرض دور مهم في إخراج الحركات بشكل ثابت، وفي استدارة المفاصل بطريقة معاكسة ومحاكية بتوقيت سليم، لهو أمر أساسي لتحريك الفيزياء العضلية للجسم وجعلها تنتج كمية من الطاقة تتولد في الداخل من أطراف متفرقة وتخرج كحزمة طاقة في مكان واحد متحكم به، واختيار زوايا الارتكاز الأرضي مع نقطة الهدف التي يجب أن تكون نقطة ضغط أو ضعف في جسم الطرف الآخر يجعل من ماهيت الحركة العادية إلى حركة ذات تأثير عالٍ في الطرف الآخر، لذلك قسمت الوقفات في الكاراتيه إلى 60/ 40 أو 70/ 30 أو 50/ 50 وكلها بنسب مؤدية في الارتكازات الأساسية للوقفات تقابلها زوايا ثابتة المقدار متحركة الاتجاه، وإحداها زاوية 45.

وسأكشف سر هذه الزاوية في الكاراتيه؛ إذ عند تحرك جسم ما باتجاه معين ويصادمه جسم آخر بزاوية حادة (45)، فإن الدخول إليه يكون بنسبة له كاسر في العديد من الأشياء، لذلك التحرك بدفاع بزاوية 45 درجة وبيد بنفس الزاوية تتولد قوة ردع مواجهة للهجوم، فيعمل الدفاع بهذه الطريقة والهجوم وأكثر، وللوصول إلى هذه المجموعة من الحركات يتطلب الأمر عزيمة قوية من الذكاء الحركي والفيزيائي، واختلط بإبداع وعبقرية، وتطول المسألة في شرح تقنيات الكاراتيه الذكية السرية.

وفي مثال بسيط، وهو في الالتقاء لأول أساسية من الكاراتيه برأس المعدة في الخصم الاخر بحركة (أوي زوكي) أي نقطة، ولا تستدير اليد إلا وقت الالتقاء أي فيزياء حركية، ولا تضرب إلا بثبات أرضي بنسبة 50% لكل رِجل أو 60- 40% مقسم في كل رجل على حسب نوع الوقفة؛ أي أنها ارتكازات، ولا يكون الكتفين في الهجوم إلا بزاوية ثابتة أي أنها زوايا. والشرح المعياري لا ينتهي هنا وحسب، فكان ولا بُد أن تسحب اليد المقابلة مع الخصر والنفس الداخلي لإخراج القبضة بقوتها الرائعة ليطبق قانون "لكل فعل له ردة فعل مساوية له في القوة ومعاكسة له في الاتجاه". وكل هذه المعايير يجب أأن تتواجد لإخراج لكمة واحدة قوية وصحيحة، وأسرار الكاراتيه تطول لتخبرنا بأنه باستطاعتنا تقليد الأشياء، ولكن لا يمكننا إصابتها لأننا نجهل أسرارها، ولكل واحد منا سر منحه الله إياه فعلينا أن نفعله ونتمتع بفائدته وقوته، كما إن الأسرار تُكشف بالتعلم والرغبة في المعرفة. علاوة على أن التركيز ومحاولة الابتكار والإبداع، يخرج لنا استنتاجات توصلنا إلى طريق التميز. والأسرار تعرف بتنوع العلوم والنظر في التخصصات الأخرى. وأهم من ذلك كله والأساس في كل شيء هو توفيق الله للإنسان.

فمعرفة العلوم المتنوعة تكشف أسرار وخبايا التخصصات، فمن الخطأ الاكتفاء بتخصص دون قبول التخصصات الأخرى؛ لأن العلم مترابط، فكم من مبهم في تخصص ما عبارة عن بداية لتخصص جديد، ولاعب "الكاتا" لديه نقاط صعبة، إلا أن لاعب "الكومتيه" يراها يسيرة والعكس صحيح.

وكما هو الحال في الكاراتيه التي يظن الناس أن نهايتها في الحزام الأسود، فإن بداية الكاراتيه الفعلية تكون بعد الحزام الأسود؛ لذلك أقول دائما إن الحزام الأسود نهاية للأساس المبتدئ، وبداية للأساس المتين، نهاية الكاتا التأسيسية وبداية الكاتا المتخصصة .

فنجد أن الأسرار تكشف بعدة طرق وهذا هو الحال في الحياة المصغرة (الكاراتيه) فكيف إذا الحال بالحياة الواقعية التي فيها الأسرار العميقة والعلوم المختلفة والتخصصات المتنوعة التي تفتح أبواب التطور والتقدم العالمي.

لذالك نقول إن الكاراتيه سرٌ من أسرار الحياة؛ لأنها رياضة تُعلمنا من أسرارها وكأنها ترشدنا للنظر إلى أنفسنا وتحثنا على اكتشاف من نحن وما سرنا الذي وهبنا الله إياه؟!

تعليق عبر الفيس بوك