سيمفونية الامتنان

 

عائشة البلوشية

 

ما أجمل البدايات، حيث يعترينا الفضول والشغف للتعرف على الوسط الذي سندرس أو نعمل به، وما أجمل المهن المرتبطة بالخدمات المختلفة؛ حيث يتاح للشخص مقابلة البشر بشكل يومي، ويأتي التعليم على رأس هذه المهن، فالمعلم يتعرف على أعداد لا تحصى من طلبة العلم وأولياء أمورهم وزملاء الخدمة طوال أعوام عمله.

باختصار.. فإن المعلم هو نواة المجتمع وتدور حوله الأفلاك البشرية وهم في أهم مراحلهم العمرية، وينمو المجتمع ليرسل كل جيل أبناءه إلى ظل العلم الوارف الظلال، المثقل بالثمار، إلى ذلك الطود الإنساني الشامخ عاما بعد عام، يرفد الوطن بالكوادر المدنية والعسكرية، جيلا بعد جيل، تمر عليه فصول العام وهو واقف في غرفة الصف، وتختلف عليه البيئات الزمنية ومعينات التدريس من ظل الشجرة إلى اللوح الأسود المتنقل إلى السبورة السوداء ثم الخضراء الثابتة فالسبورة البيضاء الملساء تليها السبورة الذكية، ومن عهد الطبشور الأبيض مرورا بالملون ثم الأقلام الملونة القابلة للمسح إلى القلم الالكتروني؛ ومهما تنقل المعلم في هيكل المهنة الوظيفي يبقى العطاء السخي سمة لا تفارقه، ووشما لا يمكن طمسه بغض النظر عن مسماه الوظيفي الذي يصل إليه، يظل العطاء يجري في عروقه مجرى الدم فيها، هذا هو المعلم الحقيقي، وما كان غير ذلك فيعتبر شاذًّا لهذه القاعدة الراسخة.

"من لم يشكر العباد لم يشكر الله"، ظلت هذه الجملة سيمفونية تعيد ترتيب رونق المعاني والأخلاق بالنسبة لي، بيد أني أقف عندها قليلا، لأن الكثير لا يعيرونها اهتماما، ومغبون هو من يحرم نفسه وصول شكره إلى الله عز وجل بعدم شكر العباد، فهو لا يعي أي نعمة عظيمة حرم نفسه منها؛ ويحضرني هنا المثل العماني الجميل: "الكلمة الوطية أحسن من العطية"، أي رب كلمة طيبة تلقيها كانت أفضل من النقود، لذا وأنا أقف على أعتاب بوابة جديدة، أستدير لأتامل أهم وأطول المراحل في عمري، وأنا أرنو إلى تلك الأشجار المورقة التي كانت بذورا صغيرة بدأت في غرسها قبل أمد، تقوم برد الجميل إلى أرض الوطن الغالي بالظل والثمر.

ومع مروري على سير خريطة تلك المرحلة فإنني أعزف سيمفونية الامتنان لتصل إلى جميع الآذان؛ حيث أرفع القبعة شكرا  لكل من أضاف لشخصي إضافة -بغض النظر عن نوعها-، فمن كان في دربي عقبة كؤودا أو قلبا حقودا علمني بفضل الله "درسا"، ومن رسم على صفحات حياتي بأخلاقه الراقية ورودا أهداني بتوفيق الله "غرسا"، لذا فأنا الرابحة في جميع الأحوال لله المنة والفضل.

وأخيرًا وليس آخرًا.. أسأل ألله جل في علاه وأنا أصطحب معي عطاء ورثة الأنبياء نبراسًا ينير دربي بأن يجعل المحطات القادمة من مسيرتي، أجمل وأكثر عطاء من المحطات الماضية، وأنا أحمد الله على آلائه الكثيرة ونعمائه الوفيرة أسأله أن ينعم علي بدوام نعمة روح المعلمة الحريصة على البذل حتى الرمق الأخير، وأن يجعلنا جميعا مفاتيحا للخير مغاليقا للشر، إنه القادر على ذلك وهو المنعم الجبار.

 

------------------------------------

توقيع:

إلى معلمي الكريم (ي س): شكرا لأنك علمتني أن الحرف كحد السيف يترك أثرا يقرأ، وإذا أضيف له حرف أصبح كلمة تقرأ وتأول، وإذا تراصت الكلمات أصبحت سطرًا، والسطر يقرأ ويفهم، وإذا جاء تحته سطر أصبحا فقرة تُفهَم وتُأوَل، وتتوالى السطور لكن ليس بمقدور الجميع قراءة ما بينها وفهمها، وأن هامش الصفحة لم يوجد اعتباطًا؛ بل هو مساحة للتفكر والنقاش.. إليك أنحني احتراما وأقول "شكرًا بحجم السماء".