"خريف ظفار".. هذه السنة غير!

 

د. أحمد العمري

 

كعادته كل عام لا يخطؤ خريف ظفار موعده وهو الذي يبدأ من 21 من شهر يونيو من كل عام وحتى 21 من سبتمبر  تهب خلالها الرياح الموسمية القادمة من بحر العرب وخلفه المحيط الهندي على محافظة ظفار  ليتساقط الرذاذ وهو المطر الخفيف الذي لايبلل الملابس ولا يعكر الجو والمزاج للمستمتعين به، ولكنه يكون بردًا وسلاما على الإنسان والتربة وعلى الارض التي يصلها بنسماته ونفحاته فتعيش محافظة ظفار موسمًا استثنائيًا بكل المقاييس وليس من رأى كمن سمع.

ولكن هذا العام ... سبحان الله وكأن الإرادة الإلهية أرادت أن تعوض أهل عمان ومن يقدم إليهم عن سنوات كرونا وحظره لمدة عامين متواليين لا أعاده الله ولا أعاد سواه.

فكانت الأمطار بشكل استثنائي تنزل بوابل من الخير والرحمة والعطايا من رب العالمين جلت قدرته فاكتست الجبال بالبساط الأخضر وأعادت الحياة إلى الغابات الجبلية وبطون الأودية بل وحتى السهل أضحى مروجا خضراء يانعة ونباتات غناء وكذلك داخل مدينة صلالة وغيرها من مدن المحافظة كل الأراضي البيضاء اخضرت وأينعت ولم يبق هناك أي مجال لأي عين أن ترى التربة الطبيعية  بل البساط الأخضر منتشر في كل مكان وكل موقع دون أي استثناء وقد أكد العديد من كبار السن أنهم لم يشهدوا مثل هذا الخريف من سنوات طوال .

وربما هناك دور لتغيير المناخ الذي أثر على العالم وما هذه سوى بداياته ولله في خلقه شؤون

وعليه فقد وفد إلى المحافظة اعداد غير مسبوقة من السائحين سواء من بقية محافظات السلطنة أو من أشقاءنا في دول مجلس التعاون الخليجي أو من المحيط العربي أو حتى العالمي وهنا نقول للجميع يا مرحبا وسهلًا وبكم حي بتب بحاي:

ياضيفنا لو زرتنا لوجدتنا...

نحن الضيوف وأنت رب المنزل.

وهذي سجية العمانيين قاطبة وأنهم يقدمون ضيفهم على أنفسهم وله الأفضلية والأولوية دائما وأبدا

أن هذه الطبيعة التي حبا الله بها محافظة ظفار دون غيرها في الجزيرة العربية فإنها لوحة متميزة من صنع الخالق وكل الذي نحتاجه أن نعمل الإطار الجميل الذي يتناسب مع هذي اللوحة البديعة والصورة الربانية الجميلة.

فلسنا بحاجة لإقامة مشاريع خيالية فيها من الترف والبذخ أو المبالغة في البنية التحتية بمصاريف وإجهادات ليس لها داعٍ وإنما توفير الاحتياجات الضرورية والملحة والتي ليس منها بد وهي بهذا تليق بهذه الصورة الإبداعية وهبة رب العالمين وهنا يجب أن أذكر أنه قبل عدد من السنين كانت مشكلة الإيواء معضلة كبيرة ولكن بتظافر الجهود وتعاون الحكومة مع القطاع الخاص تم التغلب على هذه المشكلة نهائيًا... وهكذا عندما يتعاون الجميع تحل المعضلات وأكاد أقول الآن إن مشكلة الإيواء تم التغلب عليها نهائيًا وأصبحت من فعل الماضي.

ولكن بالتأكيد هناك مطالبات أخرى  مستجدة وهي من مستجدات العصر و المرحلة التي يجب مراعاتها وأخذها بعين الاعتبار

اننا نحي الجهود  التي بذلتها بلدية ظفار وخاصة في إعطاء الشباب الفرصة وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال والذين أبدعوا بكل صراحة وكانوا قدر المسؤولية والثقة ونجحوا بامتياز فيما أسند إليهم وهنا نحن جميعا نحييهم ونحيي من أعطى لهم الفرصة.

لكن وعلى الرغم من الزخم الهائل من الفعاليات والأنشطة إلا أنه تبقى بعض الملاحظات التي أوردها الزوار والأهالي ومع كل الشكر الجزيل لمكتب محافظ ظفار والتقدير العالي لبلدية ظفار على الجهود الحثيثة والمتواصلة إلا أننا نأمل تشكيل لجنة في نهاية الموسم للتقييم وإبداء الملاحظات للاخذ بما هو مفيد للسنوات القادمة وتجنب أية هفوة غير مقصودة أو أي خطأ لاسمح الله قد يحدث هذا العام.

عموما إن من أهم الملاحظات وهي موجهة لعدة جهات وذلك بقصد تحسين الخدمات وجودتها في الأعوام القادمة هي ما يلي:

  1. نأمل من بلدية ظفار أن تفعل مركز البلدية الترفيهي بكل مكوناته وإمكانياته ومقوماته ففيه المسارح وأهمها مسرح المروج الذي أتى تنفيذه بتوجيه سام من لدن صاحب الجلاله السلطان  قابوس بن سعيد طيب الله ثراه وكذلك  الأماكن المهيأة والتجهيزات اللازمة فهو ملتقى عام في الفترة المسائية حتى للمتعودين على المشي ومن لديهم القيام ببعض الأعمال الصغيرة كالخبازات  وصانعات المجامر والحرف التقليدية وأهل البحر والعادات المصاحبة لها والبائعات والعارضات لبعض الأعمال التراثية كاالمصرات الشعبية والبخور واللبان والمنتجات المحلية وهذا لايمنع من إقامة فعاليات فرعية أخرى  في أماكن متعددة من شربثات شرقًا في ولاية شليم وجزر الحلانيات إلى ديم وضربة علي في ولاية ضلكوت غربا.
  2. نأمل من بلدية ظفار إعادة مسابقة الولايات ومن كل محافظات السلطنة من مسندم إلى ظفار  لأن مشاركة  الولايات ومسابقاتها تعتبر مهرجانا داخل مهرجان حيث تقدم الولايات التراث والحضارة والموروث الشعبي والعادات والتقاليد بالإضافة إلى الفنون والأهازيج المغناة وأيضا المأكولات الشعبية وهذا حرص وتوثيق وتأكيد على الهوية العمانية المنفردة والمنقطعة النظير والمتميزة وخاصة بعد توحيد جميع محافظات السلطنة مؤخرا.
  3. نأمل من  بلدية ظفار إعادة مسابقات متميزة ويجب توثيقها وإعادة إحياءها وعلى سبيل المثال وليس الحصر اليوله والعازي والهبوت والبرعه والرقيد والليوا وابوزلف وغيرها الكثير.
  4. أين مشاركة قرية سمهرم المعتادة هذا العام وقد كانت معهودة ومعول عليها الكثير وكذلك مشاركة مهرجان أتينا لاند.
  5. أين مشاركة المعرض الاستهلاكي السنوي الذي يعول عليه الجميع للحصول على المستلزمات التي يحتاجها الناس بعيدا عن جشع التجار وطمعهم وكذلك فيه دخل للبلدية وأصحاب المعارض المشاركة ولتشغيل المواطنين واستفادتهم.
  6. أين دور وزارة التراث والسياحة في الترويج للسياحة في المحافظة والتسهيل والتبسيط للإجراءات للسواح والمرتادين.
  7. أين دور وزارة الثقافة والرياضة والشباب والاتحاد العماني لكرة القدم من استغلال هذا الموسم من قبل أندية مجلس التعاون لإقامة المعسكرات للتحضير للموسم الرياضي بدلا من إقامة المعسكرات في أوروبا وتركيا. ولنبدأ مثلًا ببطولة كآس مهرجان خريف ظفار لكل أندية السلطنة، والتي يُمكن إقامتها من دور واحد بطريقة الكأس بخروج المغلوب، وعلى كل نادٍ أن يتحمل إقامته وسفره لأنها بمثابة معسكر تحضيري للموسم وفرصة للأندية لإقامة معسكراتها وتحضيراتها بأقل التكاليف الممكنة للموسم القادم حيث لوحظ عدم استعداد أغلب الأندية لموسم عمانتل  الاستعداد المناسب على أن تمنح جوائز للأول والثاني والثالث بالإضافة لأحسن لاعب وأحسن حارس وأحسن حكم وغيره.
  8. أين دور وزارة الصحة في الدعوة للمؤتمرات الصحية الإقليمية والعالمية "السياحة الطبية"، وهذا في حد ذاته جذب للمستثمرين في هذا الجانب خاصة من يحتاجون العلاج الطبيعي والترويض وحتى العلاج النفسي وغيره.
  9. أين دور جهاز الاستثمار العماني في فتح مجالات الاستثمار في هذا المجال وهي متشعبة وكثيرة وواسعة المجال.
  10. أين دور وزارة الاقتصاد ووزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه ووزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات ووزارة الإعلام في إيصال الصورة الترويجية للإقليم عبر القنوات المرئية والمسموعة والمقرؤة؟

وكذلك مطلوب مساهمة وزارة الخارجية عبر سفاراتنا في الخارج للتحضير لموسم الخريف. كما نأمل إعادة مسابقة الرماية وأيضا المحالبة والمزاينة لما لها من مردود اقتصادي واجتماعي؛ بل ويمكن أن تقام مسابقة الهجن إذا توفر المضمار في المنطقة المظللة بالخريف.

وأخيرًا.. أرجو مراعاة بعض الازدحامات المرورية الخانقة التي ظهرت بشكل ملفت هذا العام ومحاولة معالجتها وإيجاد الحلول المناسبة لها في الأعوام المقبلة قدر المستطاع.

لقد لفت انتباهي سياحة الحمم البركانية في أيسلندا، ومسابقة اللاتيه في مهرجان الأردن للقهوة، وزيارة حقول القطن في البرازيل، وقلت لنفسي إذا كانت كثير من دول العالم تروح وتؤمن وتطبق وتنجح على أجزاء بسيطة جدًا من الحلول فكيف نحن لنستغل مثل هذه الهبات التي تعطينا كل الحلول؟!

على العموم إن خريف ظفار كما هو مسؤولية الحكومة فهو مسؤولية المجتمع والقطاع الخاص ومسؤولية الجميع حتى على المستوى الفردي.

إننا في عهد النهضة الهيثمية المتجددة والعمل المؤسسي والمنهجي المدروس فإن سقف المطالب يرتفع والأمنيات تتعالى إلى عنان السماء خاصة وأن مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- هو ربان رؤية "عمان 2040"، وفي ظل توجهه الكريم بإعطاء المحافظات ومجالسها البلدية الصلاحيات الواسعة، فإننا نتأمل الكثير.