"المؤثرون" في مواقع التواصل الاجتماعي

 

سالم البادي (أبو معن)

 

منذ سنوات انتشرت ظاهرة كان لها آثار ومخاطر كبيرة تمثلت في ظهور المواهب المدفونة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وأصبح على أثرها المئات بل الآلاف من الأشخاص مشهورين أو ما يطلق عليهم مُسمى "المؤثرين" (influencers) على وسائل التواصل الاجتماعي، ونحن في زمن أصبح فيه باب الشهرة مفتوحا على مصراعيه وفي متناول الجميع، الصغار والكبار، الفاشلين والناجحين، الأغبياء والاذكياء، السفهاء والمثقفين، التافهين والمبدعين، وبدأ في هذا العصر ظهور ما يسمى المؤثر الإيجابي والمؤثر السلبي.

وقد نال هؤلاء المؤثرين الإيجابيين والسلبيين على وسائل التواصل الاجتماعي على حدٍ سواء شهرة على نطاق واسع، حتى أصبح الناس يتباهون ويتسابقون بالتقاط صور معهم، ويتفاخرون بمعرفتهم وصداقاتهم ورفقتهم، بل وصل الحال بهم إلى تقليدهم في سلوكياتهم وتصرفاتهم للأسف الشديد، وهذا منافٍ للمبادئ والقيم والأخلاق والعادات والتقاليد الحميدة التي اتسم بها مجتمعنا العماني العربي المسلم فالتمسك بها بمثابة روح الأمة وقوتها وعزتها وشموخها، {وإنّما الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ// فإن همُو ذهبتْ أخلاقُهمْ ذهبُوا}.

وهنا يكمن السبب الرئيسي من المتسبب في تحقيق شهرتهم، ومدى إمكانية استحقاقهم لهذه الشهرة أو التأثير الكبير.

لا شك أن البعض من هؤلاء "المؤثرين" يقدم محتوى جديدًا وأفكارًا جيدة، ومبادرات إنسانية ومجتمعية، فضلاً عن أنَّ لديهم طموح وأهداف سامية وإرادة قوية وعزيمة لصناعة فارق في حياة المتابعين...، إلا أن للشهرة هفوات وسقطات قد لا تخطر على بال أحد، وقد تصل بأصحابها إلى حد الطمع والجشع، والانسلاخ من عاداتهم وتقاليدهم، وقيمهم ومبادئهم التي نشأوا وتربوا عليها واكتسبوها من أسرهم ومجتمعهم، لذا تحول بعض هؤلاء "المؤثرين" إلى رويبضة – كما أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام – واكتسبوا شهرة سطحية ووهمية، بحيث يعجزون عن تقديم فكرة مبتكرة وحديثة. فأصبحت محتوياتهم تقليدية ولا ترقى إلى المستوى المطلوب، وبهذه الطريقة لم ولن يستطيعوا منفعة المجتمع أو متابعيهم "followers" إلا لمضيعة الوقت، لأنه وبكل بساطة أصبح جلّ اهتماهم هو ما يقدمونه من محتوى يكون مقابل أجر مادي، دون أي رؤية أو دراسة للمحتوى المراد عرضه أو تسويقه أو ترويجه، ومدى معرفة وقع تأثيره على المستهلك أو المستهدف أو المجتمع بصورة إيجابية أم سلبية، فكان الهدف المرسوم في مخيلتهم والذي يرجونه ينصب حول سرعة وسهولة وقلة مجهودهم للحصول على غرض مادي بحت، ويكون على مصلحة المستهلك والمجتمع.

إننا إذ نُقدر ونثمن الدور الكبير والمتغيرات الناتجة على قيادة الرأي العام بكل أدواته وأوساطه، ولكن أصبح من الأهمية بمكان توجيه هذه المتغيرات إما بدعم نخبة المؤثرين الإيجابيين الذين لديهم رسالة ذات فائدة مرجوة يرغبون إيصالها، أو العكس وذلك من خلال إيقاف التواصل والمتابعة للمؤثرين السلبيين "المهرجين" وحظرهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو الإبلاغ عنهم في المنصات التي ينشطون عليها ... (وليعُد كل مقامٍ لمقامه)، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهم».

وإذا أردنا أن نعرف من هو "المؤثر" الإيجابي بمعناه الصحيح، فأنه هو ذاك المعرف أو (الشخص) في مواقع التواصل الحديثة الذي أنشأ حسابا ويتابعه عدة ملايين من الأشخاص، أو مئات الآلاف وبحد أدنى عشرات الآلاف، على وسائل التواصل الاجتماعي ويكون محتواه أو المادة التي يقدمها ذات فائده لفئات مجتمعية وذات جدوى وفائدة.

و"المؤثرون" على مواقع التواصل الاجتماعي يختلفون باختلاف اهتماماتهم ويتميزون بجودة محتواهم فمنهم على سبيل المثال: الشخصيات العامة، قادة الرأي، المتخصصون، المدوّنون، الناشطون والمشاهير كل في مجاله؛ بحيث يصبحون مؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبدأ نشاط "المؤثرين" يتطور ويتوسع إلى محتويات عديدة تتعلق وتلامس الكثير من جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بهدف الشهرة وكسب المال.

ولم يقتصر دورهم وآداؤهم على تحقيق أهداف تسويقية والشهرة فحسب بل تطور نشاط "المؤثرين" إلى ظهور فئة منهم يتقنون فن تأثير المحتوى أو المادة المقدمة في وعي المتلقي وتكوين الرأي العام حول القضايا التي تهم الجمهور والمجتمع.

هناك الكثير من أسباب تزايد متابعي هؤلاء "المؤثرين" من قبل فئة الشباب خاصة تسليطهم الضوء على المواضيع والقضايا التي تهم الجمهور المستهدف، والعوامل المشتركة بينهم، والاهتمامات والقضايا الخاصة بهم، فضلاً عن لغة التواصل والتوافق بينهم، إضافة إلى أسلوبهم البسيط في خطابهم، وكيفية ظهورهم الذي يعكس مدى واقعيتهم وتلقائيتهم بعيدًا عن تجهيزات المؤسسات الإعلامية والتقنيات المتطورة، علاوة على التفاعل المباشر والكبير من قبل المتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي هو الذي جعل هؤلاء "المؤثرين" يبنون لهم قاعدة جماهيرية كبيرة تتابعهم وتتأثر بأفكارهم وآرائهم، خصوصًا أولئك الذين يقدّمون محتوى إعلاميًا بوصفهم "مؤثرين" الأمر الذي أدى إلى تأثيرهم في تكوين الرأي العام لدى شريحة واسعة من المجتمع.

لا شك أنَّ هناك فرقا شاسعا بين مهنة الصحافة وبين من يقدم محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي؛ لأن مهنة الصحافة لها قوانين وأخلاقيات مهنية تنظم عملها، بيد أن "المؤثر" يقدم محتوى عبارة عن آراء شخصية ضمن مساحة تتيحها له مواقع التواصل الاجتماعي، ولا توجد لها ضوابط مهنية وأخلاقية، ولذلك لا بد من التمييز بين الصحيفة ومواقع التواصل الاجتماعي.

أصبحت في هذه الأيام وسائل التواصل الاجتماعي تعاني من فوضى شديدة، ما يجعل المتابعين يتلقون معلومات وتحليلات وأخبارا غير دقيقة، بل في حالات أخرى مضللة، وشائعات كثيرة  وما هو يثير القلق والريبة، خاصة وأنَّ الكثير من الفئات المجتمعية تتابع المؤثرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعيدًا عن وسائل الإعلام الحقيقية والرسمية التي تمتلك ضوابط أخلاقية ومعايير مهنية جيدة، تختلف من وسيلة لأخرى" وهذه الجهات لها حسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسهل الاطلاع عليها والاستقاء منها أي أخبار أو معلومات أو إحصائيات أو تحليلات وحتى الأخبار العاجلة متوفرة فيها ومواقعها فاعلة على مدار الساعة وفي كل المجالات والقطاعات المختلفة.

أخيرًا.. يجب تغليب العقل على العواطف والغرائز النفسية حتى لا تسيطر على العقول وتصبح أسيرة لديها، يجب كبح غرائز الإنسان حتى تصبح أفعاله وسلوكياته وأخلاقه بإرادة وعقلانية .. قال المتنبي في مدح العقل:

"لَولا العُقولُ لكَان أَدْنَى ضَيْغم (الأسد)… أَدْنى إِلى شرفٍ مِن الإنْسان".