الشباب بين الغواية والثبات

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

 

الأجيال تتعاقب ويبقى جيلنا هو الجيل الجديد الذي يشهد الكثير من التحولات الفكرية والاجتماعية التي تجعله أمام مطبات حياتية واجتماعية صعبة للغاية، لا بُد وأن يجتازها بسلامٍ، ولا يكون ذلك إلّا من خلال التمسك بالتربية الصالحة والأخلاق الفاضلة، التي تؤهله إلى الرقي والازدهار والنجاح وتكوين الشخصية الرسالية الشبابية الموفقة، التي تليق بالإنسان وإنسانيته.

إن المتأمل لمرحلة الشباب في عهد النبوة المُباركة، يرى أن شباب الأمة في تلك الحقبة الزمنية واجهوا الكثير من التحولات الفكرية والاجتماعية المظلمة ومنها الجاهلية الكريهة، ولكنهم استطاعوا مواجهتها بالتمسك بالتعاليم المحمدية الأصيلة فكانوا هم الجيل الرسالي، أما شباب اليوم فنستطيع أن نقول عنهم إنهم حملة الإسلام والمدافعون عنه في ميادين المدارس والجامعات والكليات والمعاهد من خلال الالتزام بحفظ القيم والمبادئ والسلوكيات الاجتماعية والإنسانية العامة التي أوصى بها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام، خصوصًا ونحن نواكب في زماننا الكثير من التحولات الفكرية والاجتماعية الخطيرة والتي وجهت إلى عقول شبابنا بحيث أصبح اليوم الكثير منهم يتلقى الأفكار الإلحادية والمثلية الجنسية وغيرها من السموم الفكرية الضالة والمضلة.

لذا لا بُد وأن يكون جيل الشباب في زماننا الحاضر أكثر وعيًا لما يُحاك لهم من مؤامرات خبيثة من خلف الستار، فهناك من أعداء الدين من يسهرون الليل ويواصلون النهار لرسم الخطط والخرائط بهدف إغواء الشباب وجعلهم فريسة سائغة لأعداء الأمة، عبر بث السموم في شبكات التواصل الاجتماعي وتحويل عقل الشاب إلى دمية بلا عقل أو إحساس وذلك بالتركيز على التفاهات والحماقات وإبعاد العقل الشبابي عن مصادر العلم والفهم.

إنَّ من أهم الواجبات اليوم، الاهتمام ببناء شخصية الشباب أكثر مما مضى، بحيث يكون الشاب صاحب شخصية ثقافية وحضارية رسالية مستمدًا شخصيته من دينه وعقيدته وأصالته وحضارته الإسلامية العريقة، وهذا بطبيعة الحال لا يكون إلا من خلال أمرين لا غنى عنهما:

  • الأمر الأول: الأسرة؛ فهي المكان المُقدس الذي ينبغي الحفاظ عليه وبنائه بناءً سليما، فقد قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" (التحريم: 6).
  • الأمر الثاني: المُجتمع الواعي؛ فالمُجتمع الجاهل لا يمكنه مُمارسة عملية التنمية والتطوير، لابد من تفعيل دور المساجد والمدارس والجامعات، لأن المجتمع اليوم بحاجة ماسة إلى خلق الكثير من البرامج التثقيفية والدينية والأخلاقية المرتبطة بالمنهج الإسلامي الأصيل، وعليه فينبغي للجامعات والمدارس ألا تكتفي بتعليم التخصصات العلمية المختلفة فحسب؛ بل التركيز أيضا على الأخلاق والقيم والمبادئ الدينية والإسلامية، وذلك من خلال تعليم العقيدة الإسلامية والأحكام الشرعية والسيرة النبوية والمفاهيم القرآنية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ تَعلَّمَ في شبابِهِ كان بِمنزِلَةِ الرَّسمِ في الحَجَر".

وإن أكثر ما نخشاه اليوم على شباب الأمة العربية والإسلامية أن يكونوا ضحية الأزمات الفكرية الضالة والمُضِلة القادمة من الغرب، والتي باتت تؤرق المجتمع من خلال الصراعات الفكرية المطروحة بقوة بين زوايا المجتمعات العربية والإسلامية، خصوصًا ونحن نعيش اليوم القرية العالمية المصغرة التي جعلت من المعلومات البشرية تنتشر بكل سهولة ويسر وبدون أي تعقيدات وحواجز أو حتى رقابة، مما يجعلنا اليوم أمام مرحلة  تربوية جديدة لابد فيها من تفعيل ما أرادته الأطروحة السماوية فبها نستطيع أن نسير بسلام آمنين وبدونها فلن نرى إلا الظلام والأنين .

إن جيل الشباب يحتل اليوم المكان الواسع في البقعة البشرية على كوكب الأرض، وفي بعض الإحصائيات أن عدد من تتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 24 عامًا من 170 مليون إنسان من سكان الأرض تجاوز في سنة 2000 سقف الستة مليارات، فما بالك أيها القارئ الكريم ونحن نعيش عام 2022، بينما يُتوقع ارتفاع أعداد الشباب بنسبة 7% في عام 2030، وهذا يعني أن أعدادهم في ازدياد، مما يجعلنا أمام طاقات شبابية جبارة يجب استغلالها وتفعيلها في المجتمع والحفاظ عليها لبناء الأوطان وتحريك عجلة الحياة نحو حياة أفضل وأجمل.

وإذا كان عقل الإنسان يكتمل في سن الأربعين، فإنَّ طاقة الشباب هي المنقذ للبشرية والأوطان، ويبقى الشباب هم الحاضر والمستقبل الذي من خلال طاقاتهم الجبارة تبني الكثير من الدول المحترمة أحلامها وازدهارها ونجاحاتها بسواعدهم الفتية وقوة إرادتهم القوية.