سحب الأراضي للدولة وسجن كل متواطئ

 

د. عبدالله باحجاج

هذا المقال هو حصيلة نتائج استقصاءات ميدانية، ولقاءات تحتية وفوقية مع المسؤولين والدوائر المعنية بملف العقار في محافظة ظفار واستعمالاته، وقد وقفت على 3 عوامل أساسية ينفذُ منها الأجانب لشراء العقار والأراضي، أو تحويل استعمالاتها، ولا نزعم أننا قد تمكنَّا من الإحاطة بكامل الخلفيات، لكن وقفنا على مسارات وتداخل صلاحيات بين مؤسسات تحول الشراكة المؤسساتية إلى استفراد في القرار، ويمكن تصوير المشهد من خلال الاستقصاءات واللقاءات وفق المعادلة الثلاثية التالية: مرحلة جديدة، وإدارة جديدة، وقوانين وإجراءات قديمة.

ونُلاحظ من خلال تلكم المعادلة أن أحد أركانها مختل، لا ينسجم مع ضلعيه، وهي تُعبر عن الإشكالية التي تحدث للعقار في ظفار بصورة عامة، وهنا تتجدد قناعاتي بمقولتي التي أدافع عنها كثيرًا، وهي أن "مرحلتنا الوطنية المتجددة يُمكن إدارة الكثير من تحدياتها بتشريعات محكمة ومؤسسات رقابية فعَّالة"، وهذه القناعة تتأكد مجددًا في القضية المثارة للجدل في وسائل التواصل الاجتماعي بشأن أفعال وتصرفات بعض المشاهير من الداخل والخارج التي تتعارض مع الآداب العامة، فلو كانت هناك تشريعات حديثة ومغلّظة، يعلم بها السائح أثناء دخوله البلاد، ومؤسسات رقابية في الميدان، كالشرطة السياحية مثلًا، لما أخذت هذه القضية تجاذبات سياسية وأخلاقية، وهي في الأصل قانونية، وستنتهي بكل هدوء عبر الإدارة القانونية، كمن يخالف قانون المرور مثلًا.

وسنجد وراء كل قضية أو حالات قد تظهر مستقبلًا، غياب البعدين القانوني والرقابي، وهذا ما سنُحاول إثباته في قضية العقارات في ظفار، فوراءها قوانين قديمة، وثغرات إجرائية وتنظيمية بين المؤسسات الحكومية المشرفة على قطاع العقار والأراضي واستعمالاتها، كل هذا يحدث في مرحلة تصنع الجنوح / الجنون المادي في الفكر والسلوك العام بسبب السياسات المالية والاقتصادية التي تُطبق منذ سنتين، وعندما تتلاقى كل تلكم العوامل الآن، فلابُد أن تحدث الاختراقات، وعندما تحدث الاختراقات داخل مناطق جيوستراتيجية داخل بلادنا- في تفكيرنا السياسي الآن 3 منها- ويكون وراءها خلفية أجنبية، كما أشرنا إليها في مقالنا قبل السابق المعنون "شراء الأجانب للعقارات في ظفار!". والشك هنا يرتقي لليقين الذي يُحرك كل الأفعال المؤسساتية عاجلًا، مهما تعددت وتنوعت، حتى لو ظهر بعد ذلك العكس؛ لأن الأمن والاستقرار نعمة عظمى، إن فُقدت فسيكون من الصعوبة عودتها كما تأسست. وهنا ينبغي أن نتأمل في كل ما يحدث من منظور مستقبلي (10- 15) سنة مُقبلة، فما يتم تأسيسه الآن أو التغاضي عنه الآن؛ قد يُشكل مهددات للمرحلة المقبلة.

ونادرًا ما تظهر الاختراقات فوق السطح، وحتى لو ظهرت فالكثيرون لا يتوقفون عندها، لانشغالاتهم الذهنية بالضغوط المالية والحياتية، ولو لم تكن لدينا حالة تركيز مكاني، وحالة ذهنية بتحديات مرحلتنا المُنفتحة دون ضوابط، لما تمكنَّا من التوقف عند حالة شراء أجنبي إقليمي قطعتي أرض سكنيتين في حي سكني باسم مُواطن، ويباشر في بنائهما بسرداب على كامل مساحة القطعتين تقريبًا، وبناء طابقين، وكذلك بناء ملحق فوقهما بنسبة بناء 70%، فأيُ استعمال سكني بهذه المقومات أو أي مستشفى يمكن أن يُقام داخل حي سكني خالص؟ علماً بأنَّ هذا الأجنبي، قد اشترى مبنى "هيكل" بنفس المقومات سالفة الذكر، هنا الشك يتصدر الاهتمامات فورًا بوجود خلفيات غير قانونية على أقل تقدير.

وقد كانت هاتان الواقعتان الدافع وراء استقصاءاتنا الميدانية والتي من خلالها اكتشفنا قضايا القوانين القديمة وضعف التنسيق وعدم كفاءة الإجراءات التنسيقية والتنظيمية بين 3 جهات حكومية، وهي: وزارة الإسكان والتخطيط العمراني، ووزارة الصحة، وبلدية ظفار، وقد سبقت استقصاءاتنا المؤسساتية، استقصاءات ميدانية لمعرفة خلفيات المبنى وقطعتي الأرض، وقادنا الميدان للالتقاء بالأجنبي وهو يُتابع سير العمل في المبنى، وعرفنا منه أنَّه صاحب المبنى والقطعتين، وكشف لنا أنَّه ينوي إقامة مستشفى، كم كانت مفاجأتي، ثم سألته وهل لديك ترخيص؟ أجاب أنه موعود باستخراج الرخصة، وتأكدنا لاحقًا أنه قد استخرج رخصتين مؤقتتين من وزارة الصحة لإقامة مستشفى بصفته مستثمر دون تحديد الموقع، على اعتبار أنَّ ذلك من صلاحية البلدية، فهل الأحياء السكنية مناطق استثمار الأجانب؟

واكتشفنا أنه من السهولة بمكان أن يتم استخراج التراخيص من قبل أي مستثمر؛ حيث تعطي وزارة الصحة الترخيص على أساس أنه مؤقت ومحدد بأجل زمني، وتترك عملية اختيار الموقع للبلدية والإسكان، وقد وجدنا في هذه الجزئية، اتكالية واعتمادية واضحة في إجراءات الشراكة المؤسساتية، والمفارقة أن كل جهة تفترض في الأخرى أنها معنية أما بتحديد الموقع أو الموافقة عليه، وهذا شأن العلاقة بين الصحة والبلدية.

وبسبب هذه الاتكالية الإجرائية تم إقامة بعض المؤسسات الصحية الخاصة في عدة مواقع غير مناسبة لها في صلالة، لو تم تشكيل لجنة لدراسة مواقع المرافق الصحية الخاصة في صلالة، لخرجت بالتساؤل الآتي، كيف تمت الموافقة على الكثير منها في مواقعها الراهنة؟ ولو رجعوا، فسيجدون السبب وراء تضارب وعدم كفاءة الإجراءات التنسيقية والتنظيمية بين مختلف الجهات.

والشيء نفسه، بالنسبة لقضية السراديب، فهناك قوانين تربطها بالمرافق التجارية والصحية دون السكنية، بينما أخرى تمنح الحق في إقامتها للسكنية، لكن، هل تصل قضية السراديب إلى كامل مساحة القطعة أو القطعتين؟ والكثير من أحيائنا السكنية منازلها تحتها سراديب، وهنا سنجد تضاربا بين مواد قانونية في الإسكان والبلدية، والإشكالية القانونية نجدها كذلك حتى في تغيير استعمال الأراضي، والباحث فيها سيخرج بأنها ما تزال في سجلات الإسكان سكنية رغم أنها تحولت إلى تجارية.

ومن المفارقات أن هذه العلميات تتم بالقانون- كما أوضح لنا البعض- فهناك مواد قانونية يقولون عنها إنها تُشرعن القرارات رغم تعارضها مع قرارات جهات حكومية أخرى، وهنا نقترح على وزيري الإسكان والتخطيط العمراني ومعالي وزير الصحة، وسعادة رئيس بلدية ظفار أن يشكلوا لجنة من الخبراء لدراسة هذا الملف الذي هو من مرحلة من سبقوهم، كما أن التطورات المتلاحقة في عهدنا المتجدد، وانفتاح بلادنا على الاستثمار الأجنبي، يستوجب الشراكة التشريعية والرقابة المشتركة الفاعلة والمحكمة.

لذلك، نقترح الآتي:

-    تحديث القوانين ورفع كفاءة الإجراءات التنظيمية والإدارية بين الجهات المختصة.

-    تغليظ العقوبات الرادعة، كسحب الأراضي، وتقرير عقوبة السجن لكل من يثبت تواطؤه مع الأجانب بصورة غير قانونية.

-    تشكيل لجنة في كل محافظة مكونة من ممثلي المؤسسات الحكومية المعنية بالعقار والأراضي والمجالس البلدية ونخب من الأهالي، لدراسة الموافقة من عدمها على تحويل استعمالات الأراضي والعقارات، عوضاً عن استفراد جهة دون الأخريات.

-    تشكيل لجنة مماثلة لدراسة ملف العقارات والأراضي التي تم تحويلها إلى من سكنية إلى تجارية وصحية أو من زراعية إلى تجارية، لغايات كثيرة أقلها مدى قانونيتها.

هذه مجرد نماذج لمقترحات عديدة تهدف إلى إدارة مرحلة انفتاح البلاد على الاستثمارات الخارجية دون المساس بالمصالح الوطنية الثابتة والمستدامة، وسد كل الثغرات القانونية والإجرائية والتنظيمية بين المؤسسات لمنع الاختراقات مع تأكدينا على أهمية العقوبات الرادعة وتطبيقها في الأوقات المناسبة، وهذا يفتح دور فعالية أجهزة الرقابة، لأنَّ مثل هذه القضايا لا يجب أن تتراكم.. وينبغي التأكد من عدم وجود خلفيات سياسية أو أيديولوجية أو غيرها، وراءها.