فاطمة الحارثية
نعيش اليوم في عصر يتجدد في كل لحظة، واقتصاد نهم يأتي بالمواقف المتغيرة والمتسارعة، ويفرض علينا قدرات جديدة، ليستخرج من الإنسان إمكانيات تجاوزت الرتابة الأكاديمية والتعلم التقليدي والتجريبي؛ أي عصر القدرة على صناعة القرار، وإيجاد الحلول بلمح البصر؛ بل قبل أن يرتد الطرف، وقيادة الأحداث حسب المعطيات والمستجدات بكل رشاقة ذهنية وفكرية وإمكانيات.
القيادة أنماط كثيرة لا يسع المقال ذكرها، لكننا نعلم أن لكل نمط هوية تُملي على القائد أسلوبا وطرازا يجذب الناس للالتفاف حوله، والانقياد معه نحو تحقيق الأهداف والعمل المشترك، والاعتقاد بتقارب المصير وعموم مجالات البناء؛ قد تكون هوية القائد ثابتة، وقد تكون متنوعة مرنة تحتمل خوارزميات التواصل الاستثنائي، والتوازن والجذب والوضوح وصناعة الانسجام والتناغم، وأيضا إشباع حاجات العاملين، في أداء وقدرة فريدة متجددة لتوجيه التحديات نحو حلول مستدامة.
إن المتعمق للأحداث الاقتصادية والاجتماعية، يجد أننا نمضي في مسار واضح نحو مواكبة الغريب المتغير، مما يقود إلى استحداث قوانين اقتصادية واجتماعية وبيئية جديدة، ما زالت في طور التجريب والتردد، ولا اعتقد أنها سوف تدون لتُلقن، بل سوف يكون التدوين من نصيب آليات الاستحداث والابتكار، وكيفية صناعة قيادات مرنة، وفكر بعيد كل البعد عن الرتابة والعمل الروتيني، ومثال على ذلك تحول بعض الأنظمة من عمليات مكررة ثابتة، تم قيدها ليتّبعها الجميع، إلى عمليات مرنة تلبي حاجات السوق العائم الغير مستقر، في ظل الابتكار والاستجابة عُرفيا، وأيضا الاستثمار من أجل عوائد قصيرة ومتوسطة المدى، وظهور الحاجة إلى منظومة المشاريع السريعة، وفرق عمل بأعضاء متعددي الاختصاصات، والعمل على كسب عوائد ليست مالية ومادية فقط بل واجتماعية وفكرية.
أن تكون خلَّاقًا هو نبراس بقاء كل قائد ومؤسسة، وعلينا البُعد عن التقليد والنقد الأعمى الذي أصبح حجرة عثرة يُذهب المال والأمن والاستقرار.
سؤال يطرح نفسه: هل بالإمكان أن نصنع الانسجام أم هو أمر فطري؟
الناس تحذر وتخاف من المجهول، والفضول المتوشح بالشجاعة يحول المجهول إلى خبرة ومعرفة؛ ومن تجربة قريبة، كانت لي مرآة عكست أمامي قدرة البعض على صناعة الانسجام، واحتواء الغرباء ضمن فريق عمل في مدة قياسية، وتحقيق النتائج بحلول مبتكرة، ومع انتهاء العمل خرج الجميع من تلك التجربة بخبرة جديدة وفائدة ومعرفة وربما رضا، كان الأمر في مجملة ممنهج من قبل قائد مرن، قادر، واضح، موجه، وسريع البديهة، قيادة تتوافق مع مجريات العصر الحالي، وما نحتاج إليه من أجل التغلب على المتغيرات والتحديات الفكرية، والاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
إننا نعلم من نحن، وهويتنا لم ولن تهزمها العولمة، بيد أننا نفتقر إلى الإشادة بجهد الغير ومميزاته، وأصبح الفرد يطمع أن يزيد على منصبة مناصب أخرى، ويتنافس بنفسه وليس بمن حوله، لا أعلم إن كانت الثقة هي المُشكلة هنا؟ أم أن الخلل في قدرتنا على رؤية الجمال الكائن في غيرنا ومن حولنا؟!
*********
سمو...
في بعض الأحيان علينا أن نخاف من انفسنا وليس على أنفسنا، فبعض الأنفس الأمارة، قد تُفقدنا إنسانيتنا، وفي وقت ما علينا أن ندرك أن المرونة بدون عزم وشغف وحزم لن تُبلغنا ضفاف السلام، وأن ليس كل من علا غلا، وميزان الفصل يكمن بين البشر والحشر.