ناجي بن جمعة البلوشي
تحتاج كل دولة من دول العالم إلى آلية خاصة بها لتعزيز نموها وتنميتها بمختلف السجلات والأرقام التنموية العالمية، لا سيما في المجالات التي تعنى بالحضارة الإنسانية، وحيث إنَّ بلدنا العزيز من بين تلك الدول التي سارعت إلى اتخاذ شتى الوسائل في النهوض بالتنمية الشاملة لكل جوانب الحياة؛ حيث خصصت وحدات حكومية معنية بتنمية مختلف المجالات كالتنمية الاجتماعية والاقتصاية والتجارة والصناعة وغيرها مما أوجد سلطنة عمان في خارطة العالم كحضارة إنسانية موجودة.
وحيث إن العالم في مثل هذا الخصوص يحتاج إلى تقارير ومعلومات كافية تدل على حقيقة التنمية والنمو في كل بلد على حدة، فإن عمان بحاجة لاتخاذ ما يساعدها من أجل اللحاق بالأرقام الفارقة بينها وبين من تقدم من الدول، دون أن تتأثر بها كليًا أو تؤثرعليها في مكونات مجتمعها الإنساني من تقاليد وأعراف وثقافة ومكونات عرقية ودينية.
وإذا كنَّا هنا في هذا المقال نبحث عن آلية خاصة تساعدنا على رفع مستوى حجم الناتج المحلي الإجمالي دون أن نؤثر على مكوناتنا المجتمعية لنصل بها إلى توافق بينها وبين مصطلح الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة والذي يعد مؤشرًا حقيقيًا على النمو الاقتصادي للبلد، فإن هذا المؤشر في بلادنا ما زالت أرقامه ضعيفة ولا يُلتفت إليه كمؤشر له تأثير في مؤشرات الاقتصادات اللافتة للنظر والتي عادة يهرع إليها المستثمرون ليضعوا فيها أموالهم واستثماراتهم. ولأنه مؤشر فهو يتفاعل نسبة وتناسبا مع نسبة حجم الدين العام للدولة فإذا ارتفع حجم مؤشره القياسي قلت نسبة الدين العام والعكس صحيح، وهو غير معني بالرفاه والحياة الاجتماعية، أكثر مما هو معني بحال الاقتصاد العام للدولة، فتجد دولة ما بنيتها الأساسية ضعيفة، إلا أن ناتجها المحلي الإجمالي مرتفع جدا، كما يمكن أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي لدولة ما بارتفاع منتج واحد فيها، ويمكنه أن يغير مستواه القياسي مهما انخفضت قيمة مؤشرات باقي المنتجات والسلع الأخرى، ومثال ذلك النفط في دول الخليج. ولذا فإن تهذيب المنتجات ذاتها يزيد في مؤشر القيمة القياسي كالفرق بين قياس القيمة النقدية للمنتجات الخام وقياس قيمتها بعد إضافة القيمة المضافة عليها أو عند زيادة وتنويع المستخلصات منها أو عند إضافتها إلى منتج ثانوي آخر. فإذا كانت قيمة سعر برميل النفط- تقديرًا- 100 دولار، فإن قيمته بعد القيمة المضافة من إنتاج مادة البلاستيك هي 400 دولار، وإذا كانت قيمته بعد إنتاج مواد ومنتجات بلاستيكية من تلك المادة المصنعة تصل إلى 1000 دولار، فإن قيمته عند إضافة مادة الحبر للأقلام المصنوعة من البلاستيك تصل إلى 5 آلاف دولار وهكذا في كل نوع من أنواع المنتجات، أيًّا كان نوعها.
ومع اهتمام السلطنة اليوم بالنمو الاقتصادي، فإن اقتراحنا هنا بوجود هيئة خاصة أو كيان ما يمتاز بالاستقلالية الخاصة في وضع خطط وبرامج تنفيذية تعنى بتعزيز الناتج المحلي الإجمالي في الدولة، فالمواطن والتاجر والمقيم لا يجد نفسه مساهمًا في هذا الناتج المحلي، إلا إذا استوعب ما يفعله ولماذا؟ ولأنني لاحظت الكثير من الناتج المحلي الإجمالي لا يُقيّد في سجلات وتقارير الجهات المختصة مهما كان حجمه، فإنه بالتفاتنا إليه سيكون رقمًا مؤثرًا، وهنا سأضع بعض الأمثلة للتأكيد عليها. ففي الأسواق الشعبية لا يقيد حجم النقد المتداول فيها مقابل السلع والمنتجات كأسواق المواشي والحرفيات والمنتجات الزراعية المحلية، أو ما يشهده خريف ظفار من تداولات استئجار مبانٍ أو عند الحصول على خدمات ومنتجات. وهذا يشمل الكثير من ولايات السلطنة ومحافظاتها، كما إن المحلات الفردية التي تبيع وتقدم الخدمات ومنها الحلاقون والخياطون أو مؤجرو المزارع والشاليهات والقوارب وباعة العربات المتنقلة وغيرها من الأعمال هي خارجة من حسابات الناتج المحلي الإجمالي، فإذا ما قيدناه وسجلناه في سجلاتنا، فإننا سنجده يضع رقمًا جديدًا.
ولأن الهدف من هذا المقترح وجود هيئة أو كيان ما متخصص بتعزيز الناتج المحلي الإجمالي، فإن عمله لا يكمن فقط في حصر أو مراقبة الأسواق وتفعيل خطط التسجيل والحصر بل أجد وجوده في المناطق الصناعية والاقتصادية الحرة أكثر احترافية وفعالية فمع وجوده يمكن أن يشجع ويطالب بوجود القرى الإنتاجية في كل مكان إنتاجي. فمثلا في مزارع نجد الخضراء يمكن أن يتواجد هناك قرية تشتمل على مصانع مختصة بالقيمة المضافة للمنتجات وغيرها للتعبئة والتغليف وأخرى لإنتاج ما تحتاجه تلك المصانع، كما بإمكانه تفعيل قرية إنتاجية بالقرب من مزارع الروبيان للمساهمة في القيمة المضافة والإنتاج النهائي للمنتجات المشمولة بالروبيان كمصانع التقشير والتغليف والتصنيع الغذائي الخاص والمتداخل بمنتجات الروبيان ومثل هذا في كل المناطق الصناعية أو الزراعية يمكن أن يعمل به.