حمد بن سالم العلوي
يقول صديقي: شاءت الأقدار أن أذهب إلى شيراز بإيران لعلاج العيون، فقلت في نفسي لماذا لا أجرى فحوصات شاملة هنا؟ لأنَّ الرخص يُغري حقيقة والطب جيِّد، فهذه الدولة الجارة والمحاصرة ظلمًا وعدوانًا، تُصارع في كل الاتجاهات في الطب وغيره حتى تعتمد على نفسها وتكسر الحصار، ومع ذلك فالحياة فيها رخيصة جدًا، فقد لا يتصور البعض أن الفندق ذا الخمسة نجوم، تصل قيمة إيجار غرفته ما يقارب 20 ريالًا عُمانيًا لليوم الواحد، وهناك زحمة كبيرة على الفنادق رغم رخص إيجاراتها، وعمومًا خرجت نتيجة الفحوصات الطبية- كما يقول صديقي- فطلبني الطبيب الفاحص، فقال لي: عندك السكر مرتفع، فقلت له أعلم ذلك، لكن ما الحل؟
فقال سأحولك إلى طبيب خاص بالسكري، ولكن أحضر معك كل الأدوية التي تستخدمها، فذهبت إلى الطبيب الخاص بالسكري، فأطّلع على تقارير الفحوصات، ومحّص في الأدوية التي جلبتها معي من عُمان، فقال هل تُريد أن أصف لك أدوية للسكر صناعة إيرانية؟ فقلت له فلنجرب، فأعطاني نصف الأدوية التي جلبتها معي، فقال جرّبها ستة أشهر ربما تجدها أفضل، ويقول أكملت سنة حتى الآن، وأشعر بارتياح كبير معها، ولكن لدي مشكلة جلبها من إيران، ولكن ترسل لي مع العائدين من العلاج من هناك، فذهبت أسأل عنها بالمستشفى الإيراني في مدينة السلطان قابوس، فقالوا لي غير مسموح لهم بجلب الأدوية من إيران؟!
فعملت على تجربة الأدوية الإيرانية، وأنا أقول في نفسي لن ترقى الأدوية الإيرانية إلى مستوى الأدوية الأوروبية والأمريكية التي تصرف لنا في بلدنا. ويتابع صديقي الكلام، فيقول: وأنا مركّب جهاز فاحص فوري للسكري، فبدأت بمراقبة حالة السكر عندي، وأنا أستخدم الأدوية الإيرانية، وتفاجأت بالفارق الكبير في النتيجة؛ فقد انخفض مستوى السكري في الدم، وقد كانوا ينصحونني في مستشفياتنا العُمانية بترك الأدوية، والانتقال إلى استخدام (حقن الأنسولين) وكنت أرفض مقترحهم، وأعدهم بأنني سأعالج نفسي بالمشي، وتخفيف الوزن والنشويات لأكسر إصرارهم على التغيير من الحبوب إلى الحقن. وحقيقة برغم ارتياحي للأدوية الإيرانية، إلا أنه انتابني تخوف من أن تكون هناك مضاعفات أخرى لها، لأنَّ الدواء صار فعّالًا ومؤثرًا على مستوى السكري، وبعدما عدت إلى السلطنة، سألت عن طبيب متخصص في السكري، فوصف لي طبيب متقاعد من المستشفى السلطاني، وأصبح يعمل في مستشفى خاص، فكلمه أحد الأصدقاء، وحدد لي موعدًا للمقابلة بعد أسبوع.
فقابلت ذلك الدكتور المختص، وكنت قد أخذت معي الأدوية الإيرانية، والأدوية التي كنت آخذها من المستشفيات المحلية، فيقول صديقي؛ عندما رأى الطبيب المختص التقارير الطبية والأدوية، أخذ الأدوية التي كانت تعطيها لي المستشفيات المحلية، وقال لي؛ هذه لا تستخدمها وتوقف عنها تمامًا، وأخذ الأدوية الإيرانية واستخرج منها واحداً، وقال هذا أوقف استخدامه رغم أنَّه جيد، ولكن يتسبب في انتفاخ القدمين. أما بقية الأدوية- فقال لي- استمر عليها، وطلب مني أن أخفف جرعة واحدة من أحد الأدوية، وأبقي على جرعتين فقط، ثم علق قائلا: "يا ريت لو الحكومة معنا تستورد من هذه الأدوية، لكان مرضى السكري في حالة أفضل وأقل مضاعفات".
ترى طالما كانت إيران تنتج أدوية أفضل من الغرب، وهي جارة ودولة إسلامية، وأدويتها أرخص من الأدوية الغربية بالأضعاف، فلماذا ندخل الطب في السياسة.. ونعاند في صحتنا؟! فقط حتى ننصاع للشركات الغربية التي كل همها أن تبيع أدويتها، ومن يدري فربما يتعمّدون دّس السم في الدسم، وذلك في أدويتهم لكي تحدث مضاعفات، حتى يظل إنتاجهم من الأدوية مستمرًا، فطالما أنتجوا الفيروسات وبعثوا بها لنا من أجل إنتاج وبيع الأدوية، فلا يستبعد عليهم أن يفعلوا الأسوأ!!
أما إيران وكذلك الهند؛ فهما جارتان قريبتان وأدويتهما رخيصة وفاعلة، ولا تدير مصانع أدويتهم شركات رأسمالية جشعة همّها الربح وحده، ولا علاقة لها بالصحة والإنسانية، فلماذا لا نذهب إلى الأفضل ونترك الأرذل؟!!
لقد دفعتني الظروف لشراء دواء لواحد من الأهل، فذهبت إلى صيدلية مستشفى خاص قريب من سكننا، فوجدت زحمة في مواقف السيارات، ودخلت الصيدلية فوجدت زحمة في الصيدلية كذلك، رغم أن هناك أربعة منافذ لبيع الأدوية، وأخذت في الطابور ما يزيد على خمس عشرة دقيقة، فلما جاء دور الدفع كان المبلغ 18.900 ريال عُماني، وهذه قيمة علبة واحدة بها 28 حبة دواء لشهر واحد، بل وأقل بيومين عن الشهر.
فعندما عدت إلى المنزل اتصلت بصديقي صاحب الدواء الإيراني، وسألته بكم تشتري الدواء من إيران؟ فقال: أشتري 3 أنواع ولمدة ستة أشهر بمبلغ 28 ريالًا، فقلت له وأنا اشتريت نوعًا واحدًا بأكثر من نصف هذا المبلغ، وكما يقول المثل: (حصيني ونصفه حرام) والحقيقة لا أعرف أي نصف في الحصيني حرام، وربما هذه المقولة كانت في زمن سنوات الجوعة، لأنه حيوان مُفترس ويفترض أن يكون كله حرام.. مع العذر لمن يعنيهم الأمر طبعًا.
وهنا تذكرت المثل القائل "أحشف وسوء كيلة" ومن هذا المثل كان عنوان هذا المقال مع بعض التصرف، ترى متى سيكون هناك دور فعّال لوزارة الصحة في حماية الناس من جشع التجار واحتكار الأدوية؟!
طبعًا لا ينكر جهود وزارة الصحة إلا جاحدٌ، عندما ننظر إلى انتشار خدماتها، ومبانيها الضخمة للمستشفيات المرجعية، ومراكزها الصحية الكثيرة، ولكن هناك ثغرة كبيرة بين الموجود، وفاعلية الخدمات المقدمة، فإذا أنت سافرت إلى دول العلاج ورأيت العُمانيين هناك، لقلت في نفسك أليس في وطن هؤلاء علاج؟! وإذا أتيت إلى داخل الوطن وزرت المستشفيات الخاصة، ورأيت تلك الزحمة، لقلت ما دور المستشفيات الحكومية أمام هذا التزاحم؟! فتكتشف أن المستشفيات الحكومية، تعطي المرضى مواعيد بعيدة، والتي يصل بعضها إلى سنة أو سنتين، فبالله عليكم إذا كان المريض لا يقوى على احتمال ألم المرض ليلة واحدة، فكيف له أن يصبر على تلك المواعيد البعيدة؟! وهنا تكون الأجوبة على معظم التساؤلات.
ثم قد تخوض معركة العلاج في أماكن متعددة، وعندما يحين موعدك مع المستشفى الحكومي، فتظفر بطبيب كالرجل الآلي، فيعطيك موعدًا آخرًا يُحبط من معنوياتك، وقد يهمس لك بعبارة، إن كنت مستعجلًا بإمكانك أن تحجز موعدًا في المستشفى الخاص (الفلاني) فتضطر للحجز كما قيل لك، وستجد الطبيب نفسه هناك، ولكن ستجده في ثوب آخر، فهو هنا أكثر لطفًا وبشاشة عمّا كان عليه الحال تحت سقف مستشفى الحكومة، فأول سؤال يسأله لك ليس عن المرض!! وإنما عن التأمين الصحي إن كان لديك؟!
فطبعًا مُعظمنا لحد الآن؛ لا نعرف معنى التأمين الصحي، وهذه ثقافة ستحتاج سنوات طويلة حتى تنتشر بين الناس، ولكن الأمر المُحزن حقًا عندما يَضِيِعُ المرضى على طاولات التجارة، فبين مسافر للعلاج في الخارج، وقد يتعرض للابتزاز كذلك، وبين الابتزاز في المستشفيات الخاصة المحلية، والأدوية الأقل جودة والأعلى سعرًا في بلادنا، ومن حقنا أن نقول عنها إن عددًا من هذه الأدوية كالحشف، وأسعارها تقصف الجيوب قصفًا لا رحمة فيه.. والله المستعان.