التضخم في عُمان وخصوصيّة الحلول

 

حمد الناصري

 

التضخم مُشكلة عالمية أصْبحت هاجس أغلب سُكان الأرض بسبب أهميتها وتأثيرها على اقتصادات الدول والأفراد والمؤسسات الآن وفي المستقبل وهي من المشاكل التي أعْيَت الخبراء والباحثين بحثًا عن حلول مُلائمة وفق خصوصية الدول واقتصاداتها.

وقد يبدو في نظر البعض أنّ أسهل الحلول هو زيادات الرواتب أو البحث عن موارد إضافية، لكنّ الأمر لم يكن أبدًا بتلك البساطة فالجميع يَعرف أنّ كل زيادة غير مُبرمجة في الرواتب تَعْقُبها زيادة في أسْعار المواد والخدمات الاستهلاكية والجميع يَتذكّر حالات وأمثلة حدثت في العقود القريبة السابقة وهذا بالطبع سيؤدي إلى زيادة التضخم وانخفاض قيمة العُملة الوطنية ومعها يأتي انخفاض القوة الشرائية إضافة إلى عواقب أخرى.

وقد ولَّدت بعض المطالبات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لزيادة الرواتب ضغوطًا اجتماعية ونفسيّة على طبقات من المجتمع حتى وصل بعضهم إلى قناعة بأنّ زيادة الرواتب هي الحل السحري للتضخم ولكل المشاكل الاقتصادية.

ويُعرف التضخّم بأنَّه حدوث ارتفاع في أسْعار المواد والخدمات، لا تستطيع الدولة السيطرة عليه بشكل دائم، كما يُعرف أيضًا بأنه حدوث زيادة بشكل مرحلي في الأسْعار عامةً، ويكون ذلك بسبب التوسع في القيام بالعرض والطلب في الأسواق، أو حتى نتيجة لارتفاع التكاليف.

وفي حديث لقناة BBC البريطانية يقول الخبير الاقتصادي أحمد الخطيب: "التضخم أمر طبيعي لأنَّ الدول الخليجية تستورد السلع والمواد الأولية والغذائية من الخارج، وهي سلع ارتفعت أسعارها بشكل متسارع بسبب ارتفاع تكاليف الشحن والنقل، عقب ارتفاع أسعار النفط العالمية، وبالتالي فإنَّ أكثر القطاعات تضررا هي قطاعات النقل والشحن والوقود وتذاكر السفر، إضافة إلى قطاعات أخرى تتصل بشكل مباشر أو غير مباشر بقطاع النقل، وهذا يختلف من بلد إلى آخر بحسب نسبة استخدام سكان كل دولة لهذه السلع أو الخدمات". وفي مُقابلة أخرى للخبير الاقتصادي السعودي جهاد العبيد مع ذات القناة يقول: "إن التضخم أصاب جميع القطاعات في المملكة العربية السعودية لأنَّ تكاليف النقل فرضت نفسها على أسعار السلع والخدمات، معتبرا أن الأهم حالياً هو تحديد نسبة ارتفاع هذه السلع والسيطرة عليها".

وللتضخم الاقتصادي أنواع مختلفة قد تظهر وتؤثر في اقتصادات مُعينة ولا تُؤثر على أخرى، نذكر منها:

1. تضخم زاحف أو معتدل ويكون عند ارتفاع الأسعار بمعدل 3% كحد أقصى كل عام، مع العلم أن المعدل الأمثل لمستويات التضخم يكون 2%.

2. تضخم متسارع يكون قويًا ففيه ترتفع معدلات الأسعار ما بين 3 إلى 10% كل عام.

3. التضخم الجامح والذي يزيد على 10% كل سنة، وفيه تفقد النقود قيمتها سريعًا، فلا يستطيع الأفراد مواكبة تلك التغيرات.

4. تضخم مفرط وفيه تزداد الأسعار شهريًا بنسبة تفوق 50%، وهو نادر الحدوث.

5. ركود تضخمي، ويكون في حالة زيادة الأسعار وانخفاض النمو الاقتصادي في آن واحد.

ولمعالجة التضخم يجب أولًا دراسة أسبابه وجذوره ونوعه وفق خصوصية كل دولة ومجتمع فطبيعة البشر تجعلهم يَزدادون إنفاقًا بل وتبذيرًا كلما ارتفع دخلهم، لذا نجد أنّ الكثير من الطبقات الثريّة حول العالم يُنفقون أموالا هائلة على مُقتنيات كمالية ليس لها أي أهمية حياتية أو مَعيشية مما يَرفع الطلب على ذلك النوع من الكماليات وبالتالي يُؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

إنّ اقتراح حلول للتضخم دون دراسات وافية وكافية لن يُؤدي إلاّ إلى مزيد من التضخم وهدر الموارد والوقت. وقد تكون المقترحات التالية العامة مُفيدة مبدئيًا لتخفيف حدّة التضخم وكبح جماحه في عُمان بشكل خاص ولكن الحلول الجذرية تحتاج إلى بحث ودراسة مُعَمّقين، وهي كما يلي:

1. تحديد أسعار المواد الأساسية وسَن قانون وغرامات لِلمُضاربين بقوت الناس ومعيشتهم.

2. زيادة الإنتاج الوطني، من خلال مشاريع حكومية أو مختلطة إنتاجية جديدة.

3. دعم الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والطاقة والماء وغيرها وخصوصًا لأصحاب الدخل المحدود.

4.فرض ضرائب حقيقية وغير شكليّة على الشركات الكبرى والأجنبية العاملة في البلد وفي المقابل إلغاء أو تخفيف تلك الرسوم والضرائب على أصحاب الدخل المحدود.

5. تحسين وتطوير ما يُعرف بسلسلة أو سلاسل التوريد، وذلك من خلال خفض قيمة النَقل والتجهيزات وحُكومتها.

6.  النظر في تخفيض سعر الفائدة في البنوك العُمانية.

إنّ نظرة خاطفة للشركات والأشخاص الذين يُسيطرون بشكل شِبْه تام على القطاعات أدناه تُعطينا فكرة عن مَن هو المستفيد الأكبر من ازدياد التضخم وارتفاع الأسعار:

1. شركات استيراد وتوزيع المواد الغذائية الأساسية.

2. سوق الخضروات والفواكه.

3.  النقل العام ونقل البضائع والتجهيز.

4. تجهيز مواد وتجهيزات البناء والإنشاءات.

5. شركات استيراد وتجهيز الملابس والأحذية والكماليات.

6.  استيراد وتوزيع  الأدوية والمستلزمات الصحية.

ويتضح لدينا من هو الرابح الأكبر من أيّ تضخم فيما يَبقى المواطن هو الخاسر الأكبر حتى لو ارتفعت الرواتب.

الخُلاصة.. إنّ التضخم واقع لا مَفر منه وتأثيراته لا تَستثني دولة أو اقتصادا مهما كانت قوته، لكن يُمكن تخفيف آثاره من خلال إجراءات وخطوات مُعينة حسب نوع الاقتصاد وحجم التضخم وتأثيراته. واقتصاد عُمان له خصوصية مُعينة فيُمكن التعامُل من خلاله مع التضخم الحالي ولكن بشرط الابتعاد عن الحلول المتسرّعة وغير المدروسة وغير المُجدية والتي قد تكون مُضِرّة.

تعليق عبر الفيس بوك