الدروب ليست كلها مظلمة

 

 

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

تمرُّ أيامنا سِراعا ويغمرنا الحنين للطفولة الأولى، تُربينا الأرض وتهذبنا الأيام، وتنسج الممكنات أحلامنا وتكبر مع مضي السنين حتى نصل بها إلى عنان السماء، نستشعر الاهتمام بصناعة المستقبل منذ ذلك الحين، لكن الأمور تجري على غير ما نستشعر ونعتقد.

وصلنا إلى المستقبل الذي كنَّا نعتقده بسرعة الصاروخ، لكن المستقبل ما زال بعيدا على ما يبدو؛ فالخطط لم تعد كما ينبغي، تجاذبات العالم والاضطرابات في كل المعمورة ونحن لسنا بعيدين عن ذلك، ورغم تساؤلاتنا البريئة فإنَّ العالم الذي يتقدم باستمرار ليس سوى عدو أراد أن يتربص بنا الدوائر ونحن نعيش في كهوفنا ننتظر الهجوم حتى نثبت لهم أننا مستعدون للدفاع ولسنا نائمين، الدفاع عن عروبتنا وعن مستقبلنا ومستقبل أبنائنا وعن مقدساتنا على كل حال.

الوهم أصابنا في مقتل؛ فلم نعد نُعمل العقول، والابتكارات ما هي سوى ومضات في مسارات غير محددة وغير مكتملة الأركان، يجب معرفة التوجه قبل البدء وإلا فلنبدأ في أماكن أخرى، مع أولئك المسخرين لنا، علينا أن نريح أدمغتنا وأن نتفرغ للعبادة الشعائرية، هم عليهم تسهيل حياة الفرد، وبالمُقابل عليَّ الاستفادة منها لأتفرغ للعبادة والدعاء عليهم ليل نهار أن يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.

الدروب ليست كلها مظلمة، هناك من يُحاول تعديل المسار والبحث عن الضوء، وهناك في الأساس من يحاول إيقاف الركب وهي الصفة الطاغية، المستقرون ذهنياً يعملون دون النظر إلى ما حولهم، فقط يحاولون الاستفادة من الموجود وتطويعه لأنفسهم ومجتمعهم، والمضطربون يسابقون الزمن ويتشكلون في أطوار مختلفة لخدمة مصالحهم دون النظر للمجتمع، وهما صنفان امتازت بهما مجتمعاتنا.

الصنف الأول لم يجد تشجيعا كبيرا وقد توضع حوله دوائر الشك والريبة، أما الآخر فهو الصنف الناجح لأنه قادر على التشكل والتبدل وهو بهذا متطور ومتفهم ولديه كاريزما. ابتُلِعَ الوهم بتصويب فذ من الأعلى، وصوبت عليه سهام الإعجاب الشديد وتنامى بين رؤوس كثيرة تنتظر الفرصة، وصل أخيرًا وعليه محاربة الجميع من أجل المصالح العُليا لنفسه.

تنتصر الأنا ويغيب الإنجاز، الإنجاز الذي ينتظره المجتمع لبناء ذاته ولمستقبل أبنائه، حربه في نفسه ولدت حربا ضروسا مع الآخرين لا تنتهي ولن تنتهي؛ فمثله لن يتفرغ لنا. الشخصية المتصالحة مع ذاتها هي المبتغى وهي القادرة على الخروج بانتصار مدوٍ، الاستقرار الذهني مطلب وضرورة للعمل الراقي الذي يحترم الإنسان.

ما أود الوصول إليه أن الدول التي تتقدم لا تحتاج إلى موارد خارجية لكنها تحتاج إلى عقلية مستقرة ومحبة لا تؤثر بها الأيديولوجيات والسياسات المختلفة بل هي تصنع من مواردها التي حباها رب العباد أدوات النجاح والتفوق، محاكاة الغرب ليست ضرورة لأنه يمكننا بتشجيع مدروس صنع آلات تنقلنا من مكان لآخر وللزراعة ولغيرها بخامات وطرق أخرى ربما أكثر تقدماً وأقل كلفة، الاهتمام والتشجيع وصدق النية يولد الإبداع، أما الوقوف العاجز فهو ذل بحد ذاته، إذا أردنا محاكاة الغرب في شيء فلنحاكهم في الإصرار والإرادة، والدعاء لهم بالإسلام وضمهم لصفوفنا، لأن معتقداتهم بالية وقديمة بينما يمتلك الإسلام عناصر النهوض والقوة، نحن نمتلك الأفضلية وعلينا استغلالها.

في العشرينيات وقبلها، امتلك الغرب السيارات التي تمشي في الطرقات المعبدة، بينما تشن علينا حرب ضروس تأتينا من عرض البحر بسبب تناحرنا وتقاتلنا، وهكذا هم من تقدم لآخر حتى امتلكوا الصناعات كلها تقريبا وتقدموا بها حتى السيارة الكهربائية، يعملون بدون أيديولوجيات وطوائف وغيرها، وبإمكاننا العمل كذلك بنفس الرتبة فربما نجعل السيارة تمشي بالماء أو حتى نغير جسم السيارة أو الطائرة أو الجرار الزراعي، وربما يمكننا تغيير الطقس الخليجي الحار طبيعياً دون الحاجة إلى المكيفات.

نحن إذن في مقتبل المستقبل، لا بأس، نحتاج أن نبدأ بنية صادقة فقط!  

تعليق عبر الفيس بوك