فاطمة الحارثي
هل صحيح ما يتداوله بعض المُفكرين من أنَّ مناخ شبه الجزيرة العربية قد حمى حضارتها من هيمنة الدُخلاء والإزالة؟ الإجابة تحتاج إلى مُختصين وبحث ودراسة، لكن نكاد نُجمع أنه بالرغم من تقلبات الزمان ومنذ آلاف السنين مازالت عراقة الطبائع العربية محفوظة في الدماء لم تحد عن أصل المصب.
الأنماط الفكرية والسلوكية غالباً ما تُؤثر على استنتاجاتنا وأحكامنا في الكثير من الظواهر، والغريب كيف أنَّ الفكر النمطي يتحول إلى عُرف ويختلف باختلاف الناس ومعتقداتهم؛ فنحن نستزيد من علوم تم تدوينها ونقلها إلينا، وليس أننا من صنعنا تلك المعرفة، وإن جاد بك الزمان سوف تستزاد الأجيال القادمة بالعلوم التي تصنعها وتُصنع اليوم، أي أن معظم العلوم يُعترف بها في غير زمان ابتكارها، ويتداولها الناس بانتقاء، ومنهجية فعمر الإنسان لا يسمح له بمتابعة التأثير والمتغيرات التي صنعها خلال حياته المحدودة على الأرض، فالحاضر هو أساس للغد، وليس الماضي الذي عفا عليه وأكلت منه عقول اليوم وغيرت فيه.
الدارج في أيامنا هذا، هو تطلع الجميع إلى أن يكون مبتكرا وأن يصنع ما يُلفت الانتباه إليه ويختلف عن الأنماط حتى لو كانت أنماطاً صحية، فكل منِّا يؤمن أنه قادر وأنه يستحق، وكثيرا ما يلجأ من أجل هذه الفكرة إلى صناعة الضوضاء كالمحتوى اللافت دون التعمق في الآثار الأخرى لما يهتف به، أو يعرضه، مثلا ما تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي من تشويه لوجه عمان، الجميع يُخطئ لكن التشهير ينكره ويرفضه الجميع أيضا، والقوانين كما يعلم الجميع عنها تحفظ حقوق الأفراد وأيضا الوطن، وعندما يأتي أحد ما بصورة غير محببة عن شخص ما، وإن كانت حقيقية، يبقى القانون حازما في الأمر، ويتخذ فيه كافة الإجراءات القانونية والعقوبات؛ إذن لنفترض أنني أرض عمان، وأستطيع التحدث فليسمع الناس والجهات الرسمية بعض صوتي:
"أتقدم إلى من يهمه الأمر؛ أنا أرض عمان الأبية الأنوف، يقوم الناس بالتشهير بي عبر صور مشوهة بالنفايات والقمامة، في منصات التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الإعلام، ولا أرى أن الجهات المعنية تتخذ أي تدابير في ذلك، ربما من باب "الشفافية" وربما لشعورها بالتقصير لأنها لم توفر الكافي من التوجيهات والقواعد أو حتى الحاويات، ومع ذلك لماذا تسمحون للناس أن تنفر مني، أو يعتقدون أن لا بأس من سوء فعلهم، وقد يستوحون أن لا بأس من تقليد الغير وترك النفايات؟ أي تعتاد الأعين على تلك الفضلات ويتحول إلى عادة؟ وأنا أرض طيبة محبة ومضيافة، لماذا لا تهتم الجهات الرسمية بصوري وسيرتي، كما تهتم بصور المسؤولين، وتقاضي كل من يمسهم حقا كان أم باطلا؟ ولماذا لا يتم تكثيف برامج الوعي والمتابعة ومحاسبة الجهات المعنية والمختصة للحزم في كل ما يتم نشره عني، أنا أرض عمان أرضكم ووطنكم، أشملكم في سرائكم وضرائكم وملاذكم الدائم، والحفاظ على صورتي الحقيقية الجميلة المرحبة أقل ما يمكنكم السعي إليه، لماذا تسمحون للمشاهير بنشر صوري المشوهة بالقمامة والنفايات؟ رغم أن الوقت الذي يستغرقونه بالتصوير كان الأحرى بهم تبليغ الجهات المختصة إن لم يرغبوا برفع الأذى عن أرضهم، يتفاخر الناس بأهل عمان أنهم أهل الجود والكرم والأخلاق الحميدة؛ فماذا عن أرض أهل عمان، رغم أنها هي الأصل والثابت؟ كلنا عمان وعليها حق منا جميعا.
قد رأيتم النفايات وكان ثمة جالس قريب أو مار، لِمَ لم تقم بتوزيع أكياس النفايات، أو تطلب منهم الإبقاء على المكان جميلا طيبا، أو حتى مساعدتهم في رفع النفايات، وبدلًا من تصوير الأرض نطلب السماح بتصوير من تسبب بالأذى ربما سيكون رادعا حقيقيا، ولنوقف نشر الصور السلبية لأرضنا الجميلة، لتكن هناك حملات عمان جميلة معنا، نحن عمان وما عليها يمسنا سواء من أهلنا أو ضيوفنا، أكانت صلالة أو مسقط أو صحار أو نزوى أو الشرقية أو أي مكان على عمان، لنعمم ثقافة الحفاظ ليس فقط على أمن عمان أيضا على مظهرها وأناقتها ونظافتها".
---------------
سمو...،
قد نكون رهنَ سلوك غيرنا، وقد نكون نحن من نصنع التغيير ونأتي بأنماط ذات قيمة، ليس علينا أن ننتظر أحدهم لنبدأ، بل بادر لغد مستدام وأجمل.