د. يوسف بن حمد البلوشي
yousufh@omaninvestgateway.com
يُعتبر تحقيق توافق بين أهداف تعظيم الأرباح، التي يسعى لها المُستثمرون في المشاريع والأهداف الاجتماعية والاقتصادية الوطنية، تحدياً مُتعدد الأبعاد، يُتطلب إيلاؤه اهتماما على المُستوى الاستراتيجي لجميع المشاريع المُقامة في سلطنة عُمان، خصوصًا تلك التي يكون فيها جهاز الاستثمار العُماني طرفًا.
وعلى الرغم من التحسُن الملموس في الجانب التنظيمي وأداء بعض الشركات المنضوية تحت جهاز الاستثمار، إلا أنه لا تزال هُناك مساحات واسعة لتقدم أكبر، ويعول المُجتمع على هذا الكيان العملاق الكثير للعب دور استراتيجي خلال المرحلة المُقبلة، وذلك من خلال إدخال التكنولوجيا الجديدة، والابتكار، وتوفير المعلومات، وإجراء الدراسات والمسوحات حول جدوى الاستثمار في قطاعات مُعينة، ومُساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة والصناعات الوليدة، وتحقيق نقلة نوعية وتحول هيكلي في الاقتصاد العُماني.
كما أن جهاز الاستثمار العماني، الذي تُقدر مساهمته بنحو 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي من خلال مئات الشركات المنضوية تحت لوائه، مُطالب بتحقيق توازنات صعبة، تتمثل برفد الميزانية العامة بإيرادات مالية، فضلًا عن ضرورة تسريع وتيرة إيجاد فرص عمل للمواطنين. وفي الوقت نفسه فإن تلك الشركات في القطاعات المختلفة مُطالبة من جهتها بنسج خيوط مُتشابكة لتكوين أرضية صلبة، كي تتمكن عُمان من الانطلاق إلى وجهتها المُقبلة بطريقة سلسلة وسهلة ومُناسبة لجميع الأطراف، الأمر الذي يعني ضرورة الأخذ بالاعتبار تحقيق توازنات للأبعاد المالية والاقتصادية والاجتماعية المُتقاطعة.
المُنظمات المُهتمة بشؤون التنمية، أفردت العديد من المناهج، بُغية تقييم المشاريع، وبالتالي تحقيق التوازنات الصعبة بين الجوانب الربحية من جهة، والاقتصادية والاجتماعية من جهة ثانية، منها على سبيل المثال: منهج منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ومنهج مُنظمة الأمم المُتحدة للتنمية الصناعية، ومنهج البنك الدولي للإنشاء والتنمية، وغيرها من مناهج تعمل على قياس الأثر الاجتماعي والاقتصادي على أُسس علمية.
كما أفردت تلك المناهج، معايير مُرتبطة بصافي الأرباح، والعائد على الأصول، وفترة الاسترداد، ونقطة التعادل، وغيرها. ولم تغفل تلك المعايير التي تضمن تحقيق مكاسب اجتماعية واقتصادية على المُستوى الكُلي، تتمثل في جوانب عديدة، من بينها: مدى مُساهمة المشروع في توسيع وتنويع القاعدة الإنتاجية، وتعزيز القيمة المُضافة المحلية، وخلق فُرص عمل، ونقل التكنولوجيا وزيادة الإنتاجية، وخلق روابط أمامية وخلفية بين الأعمال، وتحسين ميزان المدفوعات، وزيادة الصادرات، وجلب العملة الصعبة، وتجنب الآثار الضارة بالبيئة، والتوزيع الجغرافي لتنمية المُحافظات، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وحُسن استغلال موارد البُنى التحتية المحلية.
لا أحد يشك بأن المُفاضلة بين المعايير المُرتبطة بالجانبين يجب أن لا تتم بالاجتهاد، بل تتطلب معرفة ودراية عميقة وقدرات بشرية. فكما يجب توفيرها لرصد معايير الربحية التجارية البحتة، يتوجب توفيرها أيضا لرصد المعايير الاجتماعية والاقتصادية، والتي بناء عليها يتم تحديد حجم التسهيل والحوافز المُقدمة.
إعادة هندسة الاقتصاد العُماني، وفق رؤية "عُمان 2040" ليكون قوامه الاستثمار والإنتاج وريادة الأعمال والابتكار والتصدير، يستوجب تهيئة بيئة الأعمال، وتعزيز تنافسية الاقتصاد العُماني في مواجهة المُنافسة المُحتدمة في المنطقة والعالم، ما يؤكد أن منح أي حوافز وتسهيلات للمشاريع الاستثمارية، ينبغي أن تكون مبنية على دراسة الآثار المُختلفة، والتي تشمل الاقتصادية والاجتماعية والمالية والربحية التجارية.
ويسعى المستثمرون للحصول على حوافز عديدة من قبيل الإعفاءات الضريبية، والرسوم الجُمركية خصوصًا على المواد الخام والآلات والمُعدات وقطع الغيار، ودعم الوقود والخدمات المُختلفة، وضمان القروض والصادرات، وتجهيز البُنية التحتية، والحصول على أراض برسوم رمزية.
تلك أسطر، تؤكد أهمية مُراعاة الأبعاد التنموية الاجتماعية والاقتصادية عند تقييم أي مشروع، بحيث لا يقتصر على التحليل المالي، والنظرة التجارية البحتة، بل يجب أن يشمل الأثر الاجتماعي والاقتصادي ومدى مُساهمة المشروع وتوافقه مع توجهات الخطط التنموية، وآثاره المُتوقعة على رفاهية أفراد المُجتمع. والأمر نفسه يُطبق قبل إقرار أي سياسة عامة، أكانت مالية أم نقدية أم عُمالية.