الغش التجاري

حمود بن سيف السلماني

إنَّ التجارة من المهن الرائعة، والتي تُكسِب الشخص الشخصية القوية في التعامل مع الآخرين، وهي من أفضل الأرزاق على الإطلاق؛ فالتجارة تكسب الشخص القوة في التعامل، إضافة لزيادة علمه في الابتكار وطريقة التسويق من أجل بيع منتجاته التي يتاجر فيها، بطريقة جميلة ورائعة لكسب احترام المستهلكين.

والتجارة منذ الأزل مرَّت بمراحل كثيرة من حيث التطور والتبادل الاقتصادي ما بين القرى والدول، حتى وصل الأمر أن التبادل التجاري يكون ما بين القارات مع بعضها البعض؛ وذلك من خلال التكتلات التي تحدث والتي نشاهدها في وقتنا الحاضر، مثل الاتحاد الخليجي والاتحاد الأوروبي، ومجموعة شرق آسيا، وغيرها من التكتلات الاقتصادية؛ وذلك من أجل بناء اقتصاد قوي ومتين.

ولكن ظهرت الكثير من الطرق غير السوية في بيع المنتجات للمستهليكن؛ وذلك إما بتغيير اسم المنتج أو بلد المنشأ أو غيرها من طرق الاحتيال التجاري التي كثُرت في الوقت الراهن، وابتكار أفضل الطرق للغش، والغريب في الأمر أنَّ الغش التجاري وصل إلى بلاد المسلمين، ويتم التعامل بالمنتجات المغشوشة على أنها أصلية، ويتم بيعها إلى المستهلك، غير مُبالين للنتائج التي تحدث في حالة ضبطه بالغش، كما أنَّ أغلبهم قد تناسى قوله عليه الصلاه والسلام: "من غشنا فليس منِّا"؛ أي أنَّه لا يجتمع الإيمان والنفاق في قلب إنسان واحد.

ومن الأمثلة القريبة التي تمثَّلت في الغش التجاري، والتي تعتبر انتهاكاً صريحاً للتجارة، وصحة وسلامة الإنسان، "قضية حلويات الأطفال"، والتي تم اكتشافها منذ فترة ليست بالبعيدة، عندما تبين قيام بعض التجار في إحدى الشركات بتغيير تواريخ صلاحية حلويات الأطفال وبيعها على أنها جديدة، غير مبالين بالنتائج التي تحدث للأطفال من الأمراض، وقد يصل بعضها إلى الوفاة بسبب تلك الأمراض التي لحقت بهم.

ومن الأمثلة الغريبة على الغش التجاري في الصين على ما أظن، بمحاكمة أشخاص لبيعهم لحم الغنم على أنه لحم كلاب؛ حيث أعتبر ذلك نوعًا من أنواع الغش، بعدم التصريح بحقيقة المنتج الذي يباع.

والغش التجاري ليس محصوراً بالمنتجات فقط؛ حيث وصل الأمر إلى الخدمات التي يقدمها التاجر للمستهلك، بأن يقوم شخص ما بتنظيف مكيف السيارة أو مكيف المنزل، فيقول له مزود الخدمة بأنَّ المكيف به عطل أو يحتاج إلى غاز؛ ولكن في الحقيقة أن المكيف ليس به أي عيب؛ ولكن من أجل الحصول على مبالغ مالية بدون وجه حق.

فالكثير من الشركات تبتكر الطرق الأكثر رواجاً من أجل زيادة أرباحها وعلى حساب المستهلكين، غير مبالية لسمعتها والتي يمكن أن تسقط في ليلة وضحاها بسبب الغش التجاري، حتى وصل بهم الأمر إلى إنقاص حجم السلعة وبيعها على أساس حجمها المُعلن عنه، وهي في حقيقتها أقل بكثير من وزنها المعلن عنه.

ولسنا ببعيد عن محطات تعبئة الوقود؛ حيث إن وسائل الغش لديها قد وضحت وضوح الشمس، حيث تقوم المحطة بتعبئة الوقود بكميات أقل من الكمية الفعلية، مع استلامها المبلغ كاملاً، وذلك بإنقاص كمية ليست بالبسيطة من الوقود، وتكرر ذلك لدى الكثير من المحطات؛ وذلك ما شهدناه عندما قامت هيئة حماية المستهلك مشكورة باكتشاف إحدى المحطات بالتلاعب بأسعار وكميات الوقود.

ونؤكد أن المشرع العماني قد أفرد باباً كاملاً على الغش التجاري تحت مسمى الجرائم المتعلقة بالتجارة (الغش في المعاملات)؛ حيث رتب عقوبات قاسية على كل من تسول له نفسه الغش والتلاعب بالأسعار أو البضائع أو الإخلال بالطلب والعرض، حتى وصلت العقوبة في بعض الحالات إلى السجن لمدة ثلاث سنوات وغرامة تصل إلى عشرة آلاف ريال عماني.

وفي الختام، فليتق الله الذي يعملون في التجارة، ويجب أن يتحلوا بالصدق والأمانة؛ حيث قال عليه الصلاة والسلام: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء"؛ فذكر التاجر الصدوق، أي كثير الصدق في التعامل مع الآخرين، ولا تهمه الخسارة في حالة عدم البيع، وإنما أمانته وإخلاصه وصدقه هو سر نحاجه في التجارة.

* محام ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك