ثروات الجبال.. لا خبز الرخال؟!

حمد العلوي

إنَّ تقدم الوطن يحتاج إلى عقول نيِّرة تفك عقد عقاله لكي ينطلق؛ فللأسف بعض العقول التي ظفر بها لحد الآن لا تساعد على أي تقدم إلى الأمام؛ فهذه العقول انبنت خبرتها وجرأتها على التقليد والتقييد والتعقيد، لا الإبداع ولا انطلاقة إلى المستقبل بسلاسة ويُسر، وهي كما هي منذ عشرات السنين، حتى وإن تغير الأشخاص فهي تخوض في بحر التقليد الموروث، فالقائد يتقدمهم بعشرين عامًا في الأمام، والمسؤولون خلفه بواقع ثلاثين عامًا وأكثر إلى الوراء، وسيظل الفارق يزيد على خمسين عامًا بين القيادة والمنفذين، فكيف يمكن أن نتخلَّى عن النفط والغاز، ونحن لا نجرؤ أن نترك شخصًا ما يبيع حتى مشاكيكا على قارعة الطريق من غير عقد، أو نسمح للصبية ببيع المنتجات الزراعية بحُرية ودون مضايقة.

وإن آخر إبداع تفتقت عنه أذهان المسؤولين، هو منع المشغولات المنزلية من الإنتاج في المنازل إلا بتراخيص، وهو مجرد فتح باب للتعقيد والمنع، وسوف يُفرض من خلال الترخيص شعار وملكية فكرية بثلاثمائة ريال، وختوم ومعلبات خاصة، وغير ذلك من التعقيدات، وكأننا في طوكيو أو فيينا، فواحدة من اثنتين إما أن يمنع الإبداع والتفكير في العمل الحر، ومن ثم توسعة قاعدة الضمان الاجتماعي، وإما إتاحة الفرصة للوافدين لشغل نفس الشغل من داخل الشقق، والمزارع المهجورة، وتسويقه على أنه عمل مصانع محترفة، تُرى: هل كان هذا من باب الحسد وحسب، أم مطاردة الناس بالضرائب والرسوم حتى في منازلهم؟! ولماذا لم يكن تفكيركم في الثروات من الجبال؟! والتي تُرِكت لنهب بعض الأشخاص كاستثمار فردي، أو تلك المشاريع الضخمة من المنتجعات السياحية والتي أسهمت في قيامها الحكومة، ثم تنازلت عنها -كما قيل- لتاجر فرد! وتأتون اليوم لتزاحموا امرأة منتجة على خبزة رخال، أو قرص مندازي، وذلك من أجل الرسوم وراء ستار التنظيم والرقابة والضبط؟!!

عجبٌ هذا الذي يحدث في هذا الوطن!! كنّا ننظر إلى ثروة صناعية وسياحة، وأن يرافق ذلك التنمية الاجتماعية، بحيث يتحلّق الرجال والنساء، والكبار والصغار حول مراتع السياحة، وعلى سبيل المثل: كل قلعة أو حصن تراثي في عُمان، يتحول إلى سوق شعبي نشط، كما هو سوق نزوى اليوم، فهناك من يبيع المأكولات من إنتاج المنازل، أو إنتاج الساعة ذاتها، وكذلك بيع المشغولات التراثية والحرفية، والمنتجات الزراعية، فالسائح يحتاج إلى المنتجات المحلية في أكله أثناء التجوال، ويحتاج إلى المشغولات اليدوية والتراثية كهدايا وتذكاريات.

لكن أنَّا لنا بهذا في ظل الممنوعات، فرحم الله الأوائل الذين أنشأوا القلاع والحصون دون إذن من أحد، فلا إباحة صغرى ولا كبرى ولا ملكيات واستشاري وخرائط، لقد صنعوا المعجزات مما صنعوا للتاريخ، ولو الأمر بأيدي المُعقِّدين والمعقَّدين، لمَا ورَّثوا لنا ساقية ولا فلجاً ولا مزروعات، أو نخلا يُسقى من الوادي، ولا قلاعَ وحصونَ، ولا تاريخًا يُروى ويُحكى؛ فكان حالنا كحال الرمال المتحركة، ذلك ما أشقى البعض بعد الشبع، فبحثوا عن أثر يوثقون به تاريخهم.. فلم يجدوا، إذن لا تتركوا الذين لا يحملون في نفوسهم قيمة للماضي، أن يجعلوا خط النهاية يتوقف عند جيلنا الحالي أو الذي يليه.

إنَّ الوقت الذي يضيع من أيدينا لن يعود، واستثمار الفرص في وقتها أمر مهم، وأنّ هذا الزمن يحتاج إلى شجاعة وجرأة وإقدام، وأشخاص لا يشغل بالهم إلاّ الوطن، لأن مثل هؤلاء لن يفوِّتوا الفرص في المغامرات، أو تكرار تجريب المجرب، واختلاق العقد والذرائع للتهرب من المسؤوليات، أو الإتيان بأفكار وبدع بعيدة كل البعد عن فهم المواطن وأعرافه وتقاليده التليدة، والبعض الآخر يريد أن يحول المجتمع العُماني في التعامل مع الحكومة وكأنه مجتمع آلي، فهذا شأن بعيد عن العقل والمنطق، نريد أن يتحول الوطن إلى ورشة عمل بقناعة أهله، فيرقى ويتقدم على أيديهم، ولا نقول أن يقتدى بكوريا واليابان أو الصين، ولكن نقول له ابدأ العمل مثل إخوانك في ولاية نزوى، واجعلوها مُحفّزًا ومرجعية للعمل الحر والمتميز، فإذا صارت عُمان كلها كنزوى، فإننا خلال سنوات قليلة ستكون عُمان بلدًا صناعيًا ومنتجًا، وليس فقط مكتفيا ذاتيًا، وإنما مبادرة بالتصدير، والعمل سيكون باهرًا، وضجيجه يعانق عنان السماء، وأنا لست من ولاية نزوى حتى لا يُقال إنِّي أمتدح ولايتي، ولكن تلك هي الحقيقة الجميلة التي يفخر ويفاخر بها الجميع. أما من يدعو للعمل بصمت، فالصمت فقط في القبور وحدها.

إذن؛ نستغيث بحكمة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- أن لا يُمهل المسؤولين أوقاتا طويلة، فإن الخط يُقرأ من عنوانه، ومن كان بلا نجاح من قبل عدا الشهادة المنهجية ولا أقول العلمية، فإن ذلك ليس نجاحًا حقيقيا، وأن بعض العقول كتلك التي تحكم بالشجاعة على نفسها من على الكرسي، ولكن عندما يحق الأمر في حقيقته تجدها تغرق في وادٍ جارف هو وكرسيه الذي منحه القوة، لأنها جسارة التجريب لا العلم والمعرفة، وبغير العقول النيرة المبدعة، لن تتحرر التنمية ولن يتحقق التطور من القيود التي تُكبِّلُ تقدم الوطن، بخلاف رغبة ونظرة القائد إلى الغد الزاهر المكلل بالنجاح والرقي بعُمان.