أنيسة الهوتية
أودّ أن أقول بأن آداب المجالس في الإسلام معلومة لدى جميع المسلمين، ولكنني لن أفعل لشكِّي في ذلك! وإنه لأمر سيئ أن تكون آداب المجالس الإسلامية غائبة عن المسلمين، ولكن الأسوأ من هذا الغياب هو حضور خيانة المجالس.
وقبل أن أدخل في موضوع المقال، أود أن أعلق على "الإتيكيت" الذي بكل مدارسه وقوانينه لن تصل إلى رقي التعامل في المجالس بالقوانين الإسلامية كما أمر الله ورسوله.
أما بعد، وعن خيانة المجالس فإنَّها ليست فقط فعلًا شانئًا في الإسلام، بل هي فعل يُدان عليه الفاعل في القوانين الشرعية والأحكام لكل دول العالم! ومع ذلك لا يزال مستمرًا في زيادةٍ دون توقف!
وأمانة المجالس لا يُقصد بها مجالس الأعراس، والعزاء، والعزائم، و"فوالة الحريم" فقط.. بل إنها في الزمن الحالي مع تطور التكنولوجيا تشمل أيضًا المحادثات الهاتفية، والرسائل النصية، أو عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة.. وأيضًا ملتقيات الأهل، والتجمعات العائلية، وجلسات الأصدقاء...إلخ.
فإنه ليس أمينًا من يسجل مكالمةً صوتية بدون إذن الطرف الآخر، ثم يستخدمه ضده! والحذر الحذر من هذا الأمر المتفشِّي في أيامنا الحالية، والتي لا يفعلها سوى ضعاف النفوس والفاسقين. وأيضًا تحويل الرسائل الصوتية، والصور، وغيرها من الأمور إلى أطراف آخرين.. وهناك من يكون جاسوسًا يدخل بعض المجالس فيسجل الحوارات بهاتفه ويرسلها إلى سيده الذي أمره، وأفضل الجواسيس طبعًا هم الأطفال الذين يشترون بالحلويات والألعاب والهدايا، ووجودهم في المجلس يكون وكأنهم يلعبون بالهاتف دون أن يشكَّ بهم أحد! وحدث فعلًا، في أكثر من مجلس ومن الأحداث الواقعية المضحكة المبكية أو الطريفة المزعجة أن أرسلت أمٌّ ابنتها الصغيرة إلى حيث يجلس والدها وأعطتها هاتفها بحجة أنها تلعب بإحدى الألعاب، ولكن البنت كانت تسجل صوت والدها وهو يتحدث إلى الهاتف وبعد وقتٍ معلوم دخلت الأم وكأنها تبحث عن هاتفها، فنهرت الطفلة وسحبتها من يدها إلى الصالة وبعد إخراجها كافأتها بما تستحق، ثم من خلال الصوتية اكتفشت بأن زوجها على علاقة بامرأةٍ أخرى!!
ومثال آخر لشابٍ كلما أتت صديقة أخته وجلست الفتيات في المجلس لوحدهن، أرسل أخته الصغيرة وأعطاها هاتفه الثاني بحجة أنها تلعب به وعلمها كيف يصور الضيفة من زوايا معينة وبأسلوبٍ دقيق دون أن يتم الشك فيها، وطبعًا الضيفة لربما تكون قد خلعت حجابها وعباءتها حتى يجلسن "براحتهن"، ولكن تمَّ التعدي على خصوصياتهن وأيضًا على حرمة الفتاة المسكينة!
وهذه الجريمة تتكرَّر كثيرًا، خاصةً في عالم النساء: "صورولي فلانة لما تجي عندكم؟ ويش لابسة، كيف تجلس، كيف تتكلم، كيف تأكل...إلخ"، كل ذلك الفضول الذي يقتل مثل هؤلاء الناس المنحطة أخلاقيًا، والذين يزيدون في انحطاط أخلاق الأطفال الأبرياء الذين يستخدمونهم كأسلحة لنيل رضاهم ومبتغاهم وإشباع فضولهم، فكيف ستكون شخصية هذا الطفل عندما يكبر؟
ولاشك أنَّ الأطفال ضحايا الكبار في جميع المجتمعات، وأغلب المرضى النفسيين ومجرمي المجتمع يستخدمون الأطفال كأسلحة تنفيذٍ أو ابتزاز.. أطفال ضحايا يتحولون مع الزمن إلى مجرمين مثلهم أو أشد منهم.
ما زلت أذكر قصة المرأة التي كانت على بغضاء وحقد مع امرأةٍ أخرى، وفي إحدى المناسبات العائلية طلبت من ابن صديقتها المقربة وابنة عمها -والتي كانت تعاونها على زيادة حقدها وغيظها- أن يذهب إلى حيث تجلس ويشتمها بعدة ألفاظ سيئةٍ لقنوه إياها، وبعد أن فعل ذلك ورجع إليهم منتصرًا وأهدوه بعض الحلويات لأنه "برد نار حقدهم"، سقط الصغير من الدرج وتعرض لأذى لم يُشفَ منه.
فاتَّقوا الله في أمانة وعهد المجالس وفي تربية أبنائكم.