ملامح المستقبل في ضوء مستجدات تقنية المعلومات

خالد الأغبري

الصراع الدائر في محيط الأسرة والمجتمع بشكل عام بين ارتفاع الأسعار ومتطلبات الحياة كمّا ونوعا، وبين تضاؤل الدخل وشُح الوظائف الذي أصبح يعمق المأساة في نفوس ذوي الدخل المحدود والباحثين عن العمل، والذين تحطمت معنوياتهم وتراجعت طموحاتهم وتبخرت جهودهم الدراسية وتضررت نفسياتهم، بينما تطلعات المستقبل تظل رهينة القلق والخوف من تداعيات وتحديات تدعو في مجملها وبشكل أكثر جدية إلى نظرة شاملة ودراسة عميقة قادرة على طرح الحلول الجذرية في مختلف مفاصل الحياة وخلق استراتيجيات بعيدة المدى لمعالجة ما قد يترتب على ذلك من إشكاليات وتطورات سلبية؛ بدءًا من دخول الطالب فصول المدرسة والدراسة بها في مختلف مراحلها العلمية ومجالاتها التخصصية ومستوياتها العليا المهنية والجامعية، وانتهاءً بمدى احتياجات الوطن من الوظائف التي تقوم عليها استراتيجيات منظومة هذه الوظائف بعدما طغت عليها فلسفة تقنية المعلومات وأنظمتها المتاحة لقضاء مصالح الناس بطرق شتى بعيدة عما كان يمارسه الموظفون بالطرق المعتادة بين أروقة المكاتب والصالات المفتوحة لخدمة المجتمع.

فمؤشرات المستقبل تشير إلى أن عملية إيجاد الوظائف ستواجه اشكاليات وتحديات كبيرة ومعقدة نتيجة تقليص عدد من المسميات الوظيفية مع تخفيض أعداد من الموظفين العاملين في القطاعين العام والخاص، في مقابل تطوير نظم تقنية المعلومات وما سوف يصاحبها من نقلة هائلة في توسيع شبكة الاتصالات وتوفير مستلزمات هذا النظام من المعدات والأجهزة الالكترونية المختلفة لتحفيز منظومة تقنية المعلومات وتسخيرها لقضاء مصالح الناس بطرق شتى مهما بعدت المسافات فهي متاحة وستكون في متناول الجميع بما في ذلك تحقيق تلك الإنجازات الخدمية التي سوف تتفاعل معطياتها بما يجسد متطلبات المرحلة القادمة والتي سترضخ للأمر الواقع.

حيث إن الكثير من الخدمات التي يقوم بأدائها الموظفون حاليا سوف تؤول مرجعيتها إلى النظام الإلكتروني الحديث المتجدد والمتطور وفق آليات وبرامج متطورة وفاعلة والتي ستحل محل الأيدي العاملة في ظل ثورة الحكومات الالكترونية التي بدأت تمارس نشاطها تلقائيا وتعميمها في مواقع العمل؛ وبذلك سوف تتفاقم المشكلة من حيث عدم توافر فرص العمل وعدم إيجاد الدراسات والتحاليل المنطقية التي يتوجب الأخذ بها لمواجهة أزمة التوظيف والعمل على إيجاد البدائل التي سوف تساعد على التقليل من الضغوط النفسية والاقتصادية.

وهذا الوضع الذي تتمحور أهدافه حول إعادة ترتيب أوراق سوق العمل ومتطلباته على النحو الذي يرتضيه الأطراف المستفيدة منه، فهو في مجمل الأحوال سيبقى هذا الوضع ماثلا أمام المتضررين من هذه الثورة التي فرضتها أنظمة تقنية المعلومات فهي بلا شك ستخلق فلسفة خاصة تعتمد على قيام طبقتين لا ثالث لهما: طبقة عليا نافذة تتحكم في اقتصاديات الشعوب وتعيش في رفاهية مطلقة وذلك على حساب الطبقة الثانية، وطبقة ثانية معدمة سوف تعيش في مستويات متدنية جدا، وهي التي ستعاني من ضغوط نفسية وأزمة اقتصادية حادة وضاغطة وستصبح من جرائها ليس بمقدورها توفير ضروريات المعيشة أيًّا كانت أهميتها؛ وبالتالي سوف تواجه هذه الطبقة حياة ضنكة خانقة تحاصرها متطلبات المعيشة وما يترتب عليها من مديونيات متراكمة ومتطلبات متنامية.

وهنا، بلا شك تكمن المشكلة إن لم تبادر الحكومات والمجتمعات بضخ المزيد من الأفكار الخلاقة بما يتلاءم وطبيعة الأهداف والغايات التي يمكن الاستفادة منها لمواجهة تداعيات المستقبل وتخفيف المعاناة التي سوف تفرض نفسها في خضم ما قد يترتب على ذلك من متغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية.

ومن هذا المنطلق، ينبغي على جميع الأطراف المعنية بهذا الأمر الإسهام والمشاركة في توظيف عقولهم وتهيئة أنفسهم واتباع النهج السليم الذي من شأنه إيجاد طرق بديلة لاحتواء هذه التداعيات وضبط الأمور من خلال رسم خطط واستراتيجيات تقوم على دراسة الوضع بشكل عام وتحديد ملامح المستقبل وتوجيه أبنائهم باختيار تخصصات صالحة لمواجهة ما قد يحدث من متغيرات تختلف عما كان عليه الوضع سابقا؛ وذلك من خلال فهم نقاط الضعف التي يتوجب معرفتها وتصحيح مسارها وفق متطلبات سوق العمل من الكوادر التي تستطيع مواكبة هذه المستجدات والمتغيرات التي سوف تفرض نفسها تلقائيا في المستقبل القريب إن شاء الله.

تعليق عبر الفيس بوك