يصفون المنطقة دونهم فراغا.. فلماذا؟

إسماعيل بن شهاب البلوشي

لستُ في موقف اللوم والشجب، أو حتى التعجُّب من حديث الغرب عن المنطقة، وأنهم لن يسمحوا بوجود أي فراغ يملؤه غيرهم؛ فهم في منتهى الصراحة والوضوح، بل وحتى المنطق، وأنهم لا يتحدثون بقياس التعبير المجازي والعابر للفكر واستعراض المشاعر العامة، بل عن تاريخ وقراءة نقدية واقعية أنَّ بدونهم سيكون هنالك فراغٌ يملؤه غيرهم.. وهنا، نتساءل: كم من أمة العرب والإسلام حلل وتعمق -أو حتى فهم- ما هو المعنى الفعلي لذلك؟ وباختصار أننا جميعاً -وبكل ما نملك ودونما وجود قوة من غيرنا- أن ذلك فراغ أو قل فضاءً أوضحه أكثر أننا اللاشيء في حساب المعطيات وقياسات الدول، ولعلم الجميع أنَّ حقيقة هذا الأمر هي من زمن بعيد، بل بعيد جداً. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا نحن فراغ؟ وبأيِّ لغة أو أسلوب وصل الأمر إلى هذا الحد، إلا إذا كان هنالك خطأ جسيم وعظيم في رؤيتنا للحياة؟ فيا تُرى ما هو؟!

إنَّ أول ما يحضر في فكر أيٍّ منِّا، وعند حدوث أيِّ موقفٍ نعتقد أنَّ العالم ضدنا ويُخطط لتدميرنا، وعندما نفكر أكثر ونريد تغيير الحال نخرج لتدمير ما تم بناؤه، ونلوم قياداتنا، وإنني -وعن معرفةٍ- أُجزم بأنَّه لولا ما وهبنا الله من قيادات، لكنا في حالٍ أسوأ بكثير، وأننا لم نعنِّي أنفسنا يوماً رؤية ما نؤمن به ومعرفة ما نوصف به وأنه استهداف موجه للجميع، وهذا هو نتاجُ عمل الجميع، وليس الحل بالنأي بالذات، وأن أول تقدير للأمر أن جهة أخرى غيري هي السبب في كل شيء؛ علماً بأنَّ من يُفكر هكذا هو المتسبِّب الأول في كل شيء؛ فهو يُريد كلَّ شيء مقابل اللاشيء، وما نُفكِّر فيه وما نُقدم من عمل تجاه ما نتمنَّى أن نعيش حياة كريمة، هو الأهم، ولم نستطع -وإلى اليوم- معرفة واستيعاب العمل الجماعي، والترفُّع وتقديم المصالح العليا وقضايا الأوطان، وإنَّني لأرى أنَّ أول خطوة نحن بحاجة إليها هي التصالح مع الخالق عز وجل، وأن نقرُّ في أنفسنا بأنَّه أعظم بكثير من أنْ يكون بعضنا على مَقْدرة من توزيع الجنة والنار، فكل شيء برحمته، وأنَّ الخالق عز وجل هو مسيِّر كونه، وبصيرٌ بعباده، وعلينا التوجه إلى العمل والعطاء والتعامل مع واقع الحياة بالفعل والعمل، وليس بالحديث. وعلينا أن نُؤمن بأنَّه قادر على العطاء، وكريمُ الدنيا والآخرة، وأنَّ إسكات البعض للبعض بدعوى أن الدنيا لهم والآخرة لنا تقليلٌ في عظمته عز وجل، فهو أكرم من أن يحدِّد فترة أو أخرى لرحمته، وعلينا أن لا نركن لذلك ونعيش واقع التمنِّي بغير أُسس.

السؤال الآخر والأكثر أهمية، وإذا كان هنالك من يهمُّه وضع الأمة، ولماذا يريدنا العالم أن نكون بحاجة إليه دوماً، وإذا وضعنا القضية الفلسطينية مثالاً، فهل القضية وطنية أو هي عربية أو دينية؟ والإجابة التي لم تناقش إستراتيجيًّا كما يجب أنها ومع الزمن تحوَّلت إلى قضية تكتُّل وتجاذُب، أوجدتْ انقساماً لو كنَّا من خلاله في ترفُّعٍ لحُلت في ليلةٍ وضحاها، فهنالك ومن نفس العرب من لا يُريد حلها بقيادة جهةٍ معينة، لأنها تتبع تياراً لا يناسبه، ولا يُساير الأيدلوجية التي يسير عليها، وتتبع دولة أخرى هي مُعاكسة تماماً لما يعتقد من توجُّه فكري، والعكس صحيح، فماذا لو كانت عربية خالصة؟! فالعروبة الحقيقية وللجميع أن من تحدَّث العربية فهو عربي وانتهى الأمر، ومن خلال ذلك يمكن حل كل اختلاف، ولكان للجمع سهولة كبيرة واختلاف أقل.

وأخيراً.. وبكل جلاء، إنَّ السبب الذي جعل من مشهد المنطقة الذي هو بحاجة إلى أن تملؤه دول أخرى هو التوجه إلى الاختلاف الفكري الذي هو دخيل على قوة العرب الحقيقية، وهذا سبب الاختلاف الفكري والإستراتيجي الذي لم يستقر أبناؤه في رؤية الأهداف الأبعد مساراً، والذي عمل عليه الأجانب وعمّقه وجعل منه حيلة واستمرارية لوجودهم فمتى نرقى بالفكر وتوجه الأمة إلى هدف أبعد يقوده العقل والمنطق والحكمة وإيجاد هدف قومي يستحق التضحية من الجميع به قاسم مشترك لا يمكن تأويله أو الدخول من خلاله حينها سيحترم العالم هدفنا قبل شخوصنا، وسيكون للعالم حسابات أخرى في معادلات المصالح والدول.