على مسرح العبث!

مدرين المكتومية

الأمواج المتلاطمة التي تعصف بنا بين الحين والآخر تضعنا أمام العديد من الأزمات والمأزق التي لا تنتهي، والتي بسببها تُعاني الدول ونعاني نحن ويعاني العالم بأسره.. وفي ظل هذه المعاناة نبحث عن حلول، ونحاول استكشاف الفرص للنجاة من براثن الأزمات، وهكذا نظل ندور في دائرة من العبث لا جدوى منها، وهذه ليست دعوة للتشاؤم، بل دعوة تفاؤل للنَّظر بواقعية للحياة والعالم من حولنا.

إذا نظرنا إلى المشهد الاقتصادي، سنجد العالم يقترب بسرعة الصاروخ نحو أزمة اقتصادية عنيفة ستقضي على ما تبقى من معدلات نمو حققتها بعض دول العالم، خاصة الدول المنتجه للنفط.. والأزمة الاقتصادية الجديدة سيكون سببها الأساسي ما يعيشه العالم من حالة كساد تضخمي، أي الفساد الناتج عن تضخم الأسعار، وهذا الكساد ليس فقط ركودًا في الأسواق وعدم قدرة المستهلك والمواطن على الشراء، بل أيضا للارتفاع الشديد في الأسعار مع التراجع المخيف للقوى الشرائية للعملة سواء في عُمان أو في غيرها من دول العالم.

هذا الأمر يعصِف بمستقبل فئات بعينها، خاصة ذات الدخل الشهري الثابت وذات الدخل المحدود، الذين لا يملكون الفرصة لتحسين أوضاعهم، هؤلاء سيعانون كثيرا وسيتحملون كثيرا، وربما يغضبون كثيرا، وهنا يتعين على الدول والحكومات العمل بأسرع ما يمكن لاحتواء هذه الفئات الضعيفة، وتقديم المزيد من الدعم لهم سواء عينيًّا بصور سلع ومواد غذائية يسهل الحصول عليها بأسعار رمزية أو بالمجان، أو بالدعم المالي في العديد من القطاعات؛ مثل: دعم الوقود ودعم السلع الغذائية وغيرها، ولكن في صورة دعم مالي.

أيضا هناك أزمة اجتماعية عنيفة في الجانب الآخر، الشعوب التي هي مربط الفرس الذي نتحدث عنه، تعاني من وقع تقلبات اجتماعية وتغيرات ديموغرافية وتركيبة سكانية نتيجة الحروب والأزمات والصراعات المسلحة والحروب الأهلية، والذي تسبَّبت في موجة لجوء ونزوح شديدة في العديد من أنحاء العالم، خاصة في أوروبا، حيث تدور رحى الحرب الروسية-الأوكرانية التي لا يبدو أن هناك ثمة أفق لانتهائها أو لتوصل لسلام هناك في الوقت القريب.

لقد فُزِعنا قبل يومين بخبر وفاة المرأة السورية التي سقطتْ في إحدى حفر الصرف الصحي في مخيم للاجئين، هذا هو العبث الذي نتحدَّث عنه، وأناس لا يستطيعون المكوث في أوطانهم بأمان ولا أن يعيشوا حتى بنفس القدر أو أقل منه في دول أخرى استضافتهم كلاجئين ومهاجرين. هنا تكمن الأزمة ويكمن الخطر. هنا يُدقُّ الناقوس مدوِّيا.

أيضا هناك أزمة ثقافية نُعاني منها جميعا، فما يحدث من حولنا من تراجع في الإنتاج الثقافي وزيادة الابتذال الفني من حولنا، فلم نعد نجد تلك الأغنية عميقة المعنى، بديعة اللحن، جماهيرية بالمعنى الإيجابي للكلمة، بل وجدنا أشباه مغنين وأشباه مطربين، وأشباحًا من المؤدين يُمارسون فنًا يسمونه غناءً، لكنهم أبعد ما يكونون عن ذلك، هم يمارسون شيئًا لا يمكن بأية حالة تسميته فنًّا. وإذا نظرنا للإنتاج الأدبي فلن نجد هذا الإنتاج كما كان سابقا، لم يعد لدينا كُتَّاب كبار، نعم هناك عدد من المبدعين والمتميزين ولكن ليس بتلك الدرجة التي كانت في التسعينيات وبداية الألفية، كل ذلك بسبب ما نمرُّ به من أزمات.

أما على الجانب السياسي فحدِّث ولا حرج، رؤساء دول يهربون، وأنظمة سياسية تتهاوى، ودول تُعلن إفلاسها وتتعرض لنكبات عديدة، فأين الخلاص؟ ومتى النجاة؟

وحتى لا نكون مُفرطين في التشاؤم، فإننا نأمل أن تُوضع الحلول وتنتهي الأزمات، ونؤكد هنا على أهمية التحلِّي بالتفاؤل والصبر والإيمان بأن القادم سيكون أفضل؛ لأن هذه هي عقيدتنا، لكن ذلك لا يمنع من ضرورة الاعتراف بما حولنا من مشكلات وأزمات وقضايا تهدد استقرارنا في الفترة المقبلة، الأمر الذي يفرض علينا التكاتف والعمل من أجل مواجهتها لنواصل المسيرة التي بلا شك هي جزء من حياتنا جميعا.

فرغم كل هذا العبث، فإن مسرح الحياة لن يتوقف، نحن الأبطال فيه، ومع كل إغلاق ستار وانكشافه سنجد أننا نتغير وتتغير الحياة من حولنا، لذا اختاروا لأنفسكم الطريق الذي تنتمون إليه، الذين تجدون فيه أنفسكم، اصنعوا من العثرات فرصًا، ومن الحجارة المُلقاة على الطرق سلالمَ، لا تتوقفوا أبدًا حتى وإن أدارت الحياة ظهرها لكم يوما.