عبدالله العليان
لا تزال الأحكام المسبقة تجاه العرب لا تبارح الفكاك من الأفكار من بعض الأوساط الغربية، خاصة القوى اليمينية التي لا تزال النظرة القديمة لديها متأصلة لا تحيد عنها ولا يتم مراجعتها، مع أن الأعمال الإرهابية مورست من كل الشعوب عبر التاريخ، بغض النظر عن أسباب هذا العنف وأسبابه ومؤثراته، وسواء كان هذا العنف مبررًا أو غير مبرر، والإشكال أن هناك معايير مزدوجة يتم وضعها لتقييم العنف وفق مقاييس غريبة وغير منصفة؛ فمثلاً الشعب الفلسطيني الذي طُرد من أرضه، وسُلبت حقوقه المشروعة، وهذه جاءت بقرارات دولية من العام 1948! ومورس عليه الإرهاب دولة مصطنعة لمدة تقترب من 80 عامًا، وقامت على إرهابه بكل أنواع السلاح الحديث، فإذا ما مارس القوة الضئيلة لاستعادة حقه، وُجِّهت إليه تهمة الإرهاب؟
ومع ذلك، بقيتْ تهمة الإرهاب لصيقة بالإسلام والمسلمين، رغم أنَّ هذا الإرهاب ظاهرة عالمية وقديمة قدم التاريخ، وليس وليدة هذا العصر الحديث، وهذه تعرفه كل الثقافات الإنسانية ولظروف متعددة، والإشكالية أنَّه إذا ما صدر عن بعض المسلمين أعمال عنف تأتي التهمة للإسلام مباشرة بصفته إرهابًا صادرة عنه كدين إرهابي، وإذا جاءت من مسيحيين أو يهود، أو غيرهم يُنسب إليهم بصفتهم أفرادًا ينتمون إلى دولة معينة، وليس إلى ديانة أصحابها أو ثقافتهم. وفي هذا يقول د. مصطفى محمود في كتابه "الغد المشتعل": "الأصل في تفكيرهم أنه لا اعتبار للمسلمين ولا حقوقهم، وأنَّ العلو لهم وحدهم فهم الجنس المختار من الله. والصهيونية عندهم في السماء وفي سواد عيونهم وهي حرم لا يمس، إنما الإسلام وكتابه ونبيه وشرائعه فهي تركة مستباحة، إذا اعتدى عليها مُعتدٍ فتحوا له أبوابَ دُور النشر وانهمرتْ عليه الجوائز وكتبتْ صُحفهم تمجِّده وتشيد به ورفعه نقادهم -ويقصد سلمان رشدي- إلى الصدارة، وهم يصدرون في مواقفهم عن يقين ثابت أنهم يمثلون العلم والمسلمين يمثلون الجهل والرجعية والتخلف هذا العصر".
وأتذكر عندما حدثتْ مِحنة البوسنة والهرسك في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، والمظالم الكبيرة التي لحقت هذا الشعب المسالم، لم تأت التهم للديانة المسيحية عن هذه المذابح والمجازر، وإنما جاء الإتهام إلى قيادات في صرب البوسنة، وليس إلى الدين المسيحي، وعندما قامت الهند بإنتاج السلاح النووي وتفجير القنبلة الذرية رسميًّا، لم ينسب هذا السلاح الخطير إلى الديانة الهندوسية، لكن عندما قامت باكستان بتفجيراتها النووية بعدها كرد دفاعي فقط على تفجيرات الهند، قامت قيامة الغرب ولم تقعد، وتحدثت المحطات الفضائية مثل قناة "CNN" وكبريات الصحافة العالمية عمَّا أسمته بـ"القنبلة الإسلامية"!
لا شك أنَّ الإسلام بريء من تجاوزات بعض المسلمين، ومن أعمال البعض الإرهابية التي تمتد إلى الأبرياء دون وجه حق، وهي قليلة بالمقارنة بما فعلته إسرائيل في فلسطين، وما فعله الصرب في البوسنة، وقد قتل مئات آلاف من البوسنيين في هذه الحرب، ويُفعل الآن بالمسلمين في كثير من بقاع العالم! نعم إنَّ المسيحية بريئة من فعلة الصرب ومن معايير الغرب المزدوجة ومقاييسه الظالمة، وقد كتبتُ في هذا الأمر وقلت ما معناه: "إننا أحيانا للأسف نضعف ونستكين عن الرد على بعض الاتهامات التي هي جاهزة للآخر المختلف لتثبيت التهمة وتقنينها كعلامة لا تقبل التغيير، مع أنَّ أحداث البوسنة والهرسك مرت على الغرب كأي قضية مع بشاعتها، بل إنَّ بعض المفكرين البارزين وهو صمويل هنتغتون صاحب أطروحة "صدام الحضارات" الشهيرة التمس الأعذار للصرب، عندما قال صراحة: "إن المسلمين يدَّعون أن الغرب يكيل بمكيالين (في إشارة لتقاعس الغرب عن حماية البوسنيين ودعم إسرائيل)، بيد أنَّه من المحتم أن يكون عالم الحضارات المتصارعة هو عالم الكيل بمكيالين، فالناس -كما يقول- يكيلون بمكيالين للبلدان التي تمت إليهم بقرابة، وبمكيال مُختلف للآخرين". فلماذا يُنسب للإسلام كل ما يفعله بعض المسلمين ولا يُنسب لغيره من الأديان عند أفعال أتباعهم بنفس المعايير؟
القضية إذن واضحة، ولا تحتاج إلى كثير من الجهد أو العناء للبحث عن مقاييس الغرب ومعاييره التي أصبحت ملء السمع والبصر في عالمنا المعاصر، وتزداد مع الوقت وكأنها بديهية من البديهيات. صحيح نحن لا ننتظر من الغرب أن يكون معنا عادلا ومنصفا لقضايانا، لكن من الصعب أن نتفهم هذه المجاهرة بالعداوة، وفي الوقت نفسه يطالبنا أن نطبق أفكاره في مجتمعاتنا، ويعتبر أن تميزنا عنه فكريًّا انحراف عن الجادة حسب فهمه لأنهم -أي المسلمين- لهم شخصيتهم الحضارية ولهم نظرة مغايرة للنموذج الغربي، وما دام المسلمون مستقلين فكريًا عن الغرب، فإن هذه النظرة الاستقلالية في نظره خطر عليه. وما جرى من اغتيال للصحفية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة، ومرور ما يقارب الشهرين على اغتيالها، وتأخر المتابعة القانونية، وكأن الأمر في طريقه إما إلى نفي هذا الاغتيال من قبل جنود إسرائيل، أو الادعاء بأنه حدث بالخطأ من مجهول، ويتم دفن هذا القتل العمد وكأنه حالة من حالات العبث السياسي الحديث الذي لا رادع له ولا قانون يضبطه!