د.خالد بن علي الخوالدي
Khalid1330@hotmail.com
تتسابق الدول لجذب الاستثمارات التجارية والاقتصادية والصناعية والتكنولوجية، وهذا لعمري عمل رائع وله نتائج إيجابية باهرة على المستوى الاقتصادي وتوفير فرص العمل وانتعاش الأسواق التجارية...وغيرها، ومع الدعوات المتكررة لجذب الاستثمارات وتسهيلها والعمل على استقطابها علينا النظر بواقعية للجانب المهم والعنصر الأساسي المحرك لهذه الاستثمارات وللحياة بكل تفاصيلها (الإنسان)؛ فالاستثمار يجب أولاً أن ينطلق من هذا الكائن ليكون هناك تفاعل مع كل مكونات الحياة.
وحتى نكون مُنصفين وصادقين، فإنَّ بلادنا الحبيبة عملت خلال السنوات الماضية عملا كبيرا لضخ أموال طائلة للاستثمار في الموارد البشرية على كافة المستويات، خاصة في مجال الاستثمار التعليمي من خلال إنشاء المدارس والجامعات والكليات الحكومية وتشجيع الجامعات والكليات والمعاهد الخاصة ودعمها بكل السُبل المتاحة، كما تم استثمار الكوادر البشرية خاصة الطلابية منها للتعليم خارج السلطنة من خلال الابتعاث الخارجي بعد الصف الثاني عشر، فرأينا أبناءنا يتعلمون ويدرسون في أرقى الجامعات الدولية وفي مختلف دول العالم، وقد حققت هذه البعثات أحلام الكثير ممن يرغب بالدراسة في الخارج ليكتسبوا معارف وخبرات وتعليما مختلفا. وإلى جانب التعليم كان الطالب يستفيد استفادة كبيرة من السفر الذي يعود بالنفع على الإنسان بمنافع كثيرة، وإذا كان الشافعي يرى في السفر فوائد خمس؛ فقال: "تغرب عن الأوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تفريج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد، فإن فوائد السفر في هذا الزمن لا تعد ولا تحصى".
وبما أن السفر له فوائد عدة، فإنَّ إعادة النظر في أمر البعثات الخارجية أمر مهم للغاية، فبعد سنوات من العمل على الاستثمار في الإنسان العماني رأينا هذا الجهد بدأ يخفت والأعداد تتناقص عاما بعد عام، في حين دول أخرى العدد يتزايد معهم كل عام؛ لأن نظرتهم إلى الجانب البشري تتسع ونظرتنا تضيق، ولا ندري هل هي سياسة الدولة لترشيد الإنفاق خلال السنوات الماضية، أم أن هناك نظرة أخرى ترى ما لا نراه؛ ففي الوقت الذي تحسن الأداء المالي للبلاد كنا ننتظر عودة الابتعاث الخارجي إلى سابق عهده، فأن يقل عدد البعثات الخارجية من 1400 بعثة سنوية إلى ما يقرب 500 بعثة سنوية، فإن علامات الاستفهام لابد أن توضع، فنحن لا نزال بحاجة ماسة لطاقات شبابنا الواعد وإلى إسهاماتهم العلمية والبحثية في تخصصات كثيرة، نعم علينا أن لا نهتم بالكم على الكيف، ولكن ما يضير إذا كان اهتمامنا بالكم والكيف معًا، فأعداد طلاب الثاني عشر في المتوسط سنويا يصل إلى ما يقرب 50000 طالب، وهو عدد كبير ولا يوجد نسبة وتناسب بين البعثات الخارجية وبين من يتم ابتعاثهم للدراسة في الخارج.
إن أمرَ الدراسة الجامعية وما بعد الجامعية أمرٌ مهمٌّ لدولتنا؛ فالجامعات الموجودة معنا لا تدرس كل التخصصات ونحن بحاجة لتخصصات نوعية ومتعمقة في الجوانب الفيزيائية والفيزياء النووية والجوانب التكنولوجية والطبية المتخصصة وعالم الأقمار الصناعية والبرمجيات والحوسبة والأمن المعلوماتي والسيبراني والمجالات الهندسية بمختلف أنواعها والفضاء والفلك وغيرها من التخصصات التي نحتاج لها بشكل ضروري ومهم، ولا تتوافر معنا في الجامعات بالسلطنة.
إنَّ الاستثمارَ التعليميَّ في هذه الجوانب له فوائد كثيرة للبلاد ومستقبلها، وهذا هو الاستثمار الحقيقي والواقعي الذي سيرقى بالبلد، وأبناء الوطن هم المورد النابض بالحياة والاستثمار فيهم غير خاسر، فقط علينا التركيز في نوعية الاستثمار التعليمي الخارجي والمتابعة ووضع الضوابط الكفيلة بإخراج أجيال متسلحة بالعلم والمعرفة، وعلينا عدم النظر للتكاليف المالية التي تدفع للاستثمار في شباب الوطن في الخارج، فهم إلى جانب أنهم يحملون راية العلم، فهم رسل لنا في كافة الدول وسفراء لعمان وعاداتها وتقاليدها والصفات الحميدة التي يتميز بها العماني من الاحترام والتسامح والمحبة، وفي المقابل ينقلون لنا الخبرات والمعارف والثقافات الحميدة للشعوب الأخرى، ويساعد التعليم في الخارج على اتساع مداركهم وكسب الوعي بما يدور حولنا في هذا العالم؛ فعودة البعثات الخارجية إلى عدد السابق أصبح أمرًا مهمًّا، على أن يكون الاهتمام بالكيف والكم معاً وليس بالكم فقط، ودُمتم ودامتْ عُمان بخير.