تحذيرات معاليه من العام 2023

د. عبدالله باحجاج

أطلق مَعَالي السيِّد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية العُماني، تحذيرات من الوزن الثقيل على مُستقبل الغذاء على وجه الخصوص خلال العام المقبل 2023؛ فكيف تستقبلها الجهات الحكومية المختصة بملف أمننا الغذائي؟ نطرح هذا التساؤل على الرغم من أنَّ تحذيراته مُوجَّهة عربيًّا، لكن من الأحرى والمصداقية أن يلتقطها داخلنا العُماني أولا، لدواعي أنها جاءتْ من شخصية عُمانية رفيعة المستوى، وعلى علم بالبعد الدولي، وتأثيره على الأمن الغذائي؛ إذ لا يعقل أن يكون الخارج مطالبا به، ولا يبدي داخلنا أي اهتمام به.

فقد أعرب معاليه عن خشيته من أزمة غذائية العام 2023، ودعا إلى تكاتف دول المنطقة لتأمين الغذاء وأمن الطاقة؛ من خلال الاستثمارات المشتركة في مشاريع إستراتيجية ذات استدامة وجدوى وفوائد متبادلة بين مختلف الدول العربية، وقد تناولتها -أي التحذيرات- في مقال ورقي منشور الأسبوع الماضي من حيث دور الشراكة العُمانية-السعودية في تأمين الأمن الغذائي المشترك، لكن عندما تعمَّقتُ في دعم الجهات الحكومية في مجال زراعة القمح، وشروط شرائه من المزارعين العمانيين، وجدت أنَّ هذا الواقع لا يتناغم مع التحذيرات الدبلوماسية العُمانية؛ مما يتطلب فتح النقاش بشأنه؛ فهناك دور داخلي ينبغي الإسراع به خاصة والتحذيرات تتحدث عن فترة زمنية قصيرة جدا، ربما لن تتعدى الستة أشهر.

وإذا كُنا مُتفائلين، فلن نتوقَّع خلال تلك الفترة الزمنية القصيرة أن نشهد حراكا عمانيا سعوديا لتنفيذ مذكرة التفاهم بينهما بشأن الأمن الغذائي الثنائي، وفق ما حددناه في مقالنا سالف الذكر؛ لذلك فالرهان على داخلنا لضمان الحدود المعقولة للأمن الغذائي في أجله الزمني القصير "سنة" هو الحل العقلاني، لكنه بدا لنا الواقع في واد، والتحذيرات في آخر، وكأنَّ التحذيرات لا تعني بلادنا من قريب أو بعيد، وهنا ينبغي أن أقدم استدلالاتي على ذلك، وأحصرها في النقاط التالية:

أولا- الانتظار الطويل لقرارات اللجنة الوزارية بشأن الزراعة في النجد الظفاري، فحتى الآن لم تُعلن هذه القرارات رغم ما قيل رسميًّا أنها جاهزة، وأنها ستخدم صغار المزارعين، وأنها ستدعم جهود أمننا الغذائي، فتأخيرها ينمُّ عن عدم وعي بمخاطر العام المُقبل، وتأخيرها ينمُّ عن بيروقراطية يفترض أن بلادنا قد ودعتها نهائيًّا، وإلا، فماذا تنتظر اللجنة الوزارية وأزمة الغذاء على الأبواب؟ ولولا دعم الحكومة للقمح، لضج المجتمع بأسعاره المرتفعة؟ فكيف لو طال الارتفاع بقية المواد الغذائية الأساسية الأخرى؟ هل تُراهن اللجنة على الدعم الحكومي، أم سيترك المجتمع مكشوفا دون حماية؟

ثانيا- الانتظار لتفعيل مكتب تطوير النجد الزراعية وممارسة صلاحياته الواسعة التي منحت له لتطوير الزراعة في النجد، رغم أن النجد ينبغي تحويله إلى منطقة زراعية خالصة على غرار منطقة الدقم.. وهنا نضع تحت هذا التأخير علامات استفهام كبيرة على قضية التنفيذ!!!

ثالثا- دعم الموسم الزراعي المقبل 2023 دون المستوى، ولا يعطي الانطباع بأن رسالة التحذيرات قد وصلت للجهات الحكومية؛ فالنجد الذي يُعوَّل عليه تحقيق الاكتفاء الذاتي، بلغتْ حصته من توزيع بذور القمح 30 طنًّا فقط، بما يكفي لعشر مزارع فقط، من مجموع 1170 مزرعة بحجة الملكية أو "الكروكي"، والشرطان نفسيهما يحرمان المزارعين بيع قمحهم، في وقت ينبغي أن نتجاوز مثل هذه الشروط، فحلها مرتقب لو أفرجت اللجنة الوزارية عن مرئياتها، كما أن ظرفية المرحلة تحتم التجاوز.

رابعا- نوعيَّة أصناف البذور المدعومة هي من صنف واحد وقليل الإنتاج؛ فمثلا: الفدان الواحد يُنتج طنًّا ومائتين، بينما هناك أصناف تنتج طنين وأربعمائة، كما أن حصة النجد الزراعي في اليوريا/السماد العُماني قليلة جدا، فأين دعم الزراعة؟ وينبغي على جهاز الاستثمار العماني أن يستثمر في القطاع الزراعي في مجالات تدعم المزارعين مثلا في توفير المركبات الزراعية؛ حيث يتم شراؤها غالية، وغير متوفرة، في حين أن دول المجاورة قد لجأت إلى إقامة مصانع للمركبات لتدعيم جهود الأمن الغذائي.

وتدلِّل الفقرات السابقة على البَون الشاسع بين تلكم التحذيرات وبين الواقع، والسبب قضية التنفيذ، وكما قال أحد مزارعي شصر في قضية تأخير قرارات اللجنة الوزارية: "نسمع جعجعة ولا نرى طحينا"، وهي عبارة دالة من اسمها ومحتواها، ومعبرة عن حالة الإحباط من التأخير، في وقت يعاني فيه المزارعون من عدم تسوية أوضاعهم حتى الآن، والتي تكلفهم نفقات باهظة في صحراء قاحلة، وبفاتورة كهرباء قاهرة، وتحول دون تمكنهم من الحصول على قروض من البنوك، بل وتحول دون استقبال منتوجاتهم الزراعية؛ فماذا تنتظر اللجنة الوزارية حتى تصدر مرئياتها؟ هل بعد اندلاع أزمة الغذاء؟ فكيف إذا ما التقت أزمة الطاقة والتي يحذر منها كذلك معالي وزير الخارجية مع أزمة الغذاء؟

ورُبما علينا طرح التساؤلين التاليين، ليس بسبب هذه القضية حصريا، وإنما لدواعي مسيرنا الوطني لتحقيق غاياته في آجالها الزمنية المستحقة، وهما:

س: هل هناك من يُراقب الأداء العام في تنفيذ التوجيهات، ومتابعة الصيرورات، وكيفية الاستجابة المؤسسية لها؟

س: وما معيار بقاء أو رحيل كبار المسؤولين، أم يُتركون حتى يحين استحقاقات إعادة التشكيل الوزاري؟

لابد أن تكون هناك آلية معيارية حكمية على مسألة البقاء أو الرحيل؛ لأنَّ بلادنا في صيرورة بل صيرورات متراكمة وتمس أساسيات الحياة، وضمانة مواجهتها تكمُن في التعامل معها أولًا بأول، وليس التأخير عن استحقاقاتها، وهذا لا يحدث الآن في قضية أمننا الغذائي من المنظور سالف الذكر.