"المونسون".. وسؤال المسؤولية!

د. رضية بنت سليمان الحبسية   

إنَّ الدعاء بـ"سُقْيَا رَحْمَةٍ لاَ سُقْيَا عَذَابٍ"، دعاء يدعو به المسلمون؛ طلبًا للرزق ونزول الغيث، فيه نفع بلا ضرر. وتأتي هذه المقالة تزامنًا مع ما مرَّت به السلطنة من أنواء مناخية بفعل منخفض "المونسون"، والذي أسفر عنه هطول أمطار غزيرة على مختلف محافظات السلطنة، وما صاحبه من جريان لبعض الأودية، وما رافقها من شعور النَّاس بالغبطة والسعادة. إلّا أنّ السلوك الأرعن والأهوج الذي أتى به بعض الأفراد، يُظهر جليّا وجود إشكالية جوهرية في إحساس البعض بالمسؤولية على اختلاف مظاهرها، والذي لاقى استنكارًا لدى غالبية أبناء المجتمع.

وهنا.. نذكر قول الله سبحانه وتعالى: "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ" (المؤمنون:115)، وقد جاء في تفسير هذه الآية: "أَفَحَسِبْتُمْ" (أيها الخلق)، "أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا" (أي: سُدى وباطلا، تأكلون وتشربون وتمرحون، وتتمتعون بلذات الدنيا، ونترككم لا نأمركم)، ولا ننهاكم ولا نثيبكم، ولا نعاقبكم؟ ولهذا قال: "وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ"، لا يخطر هذا ببالكم؛ إذ تُشير الآية الكريمة إلى خُلق قويم، وقيمة تربوية مهمة، ألا وهي: "المسؤولية".

ويأتي الإحساس بالمسؤولية، كنتيجة للتربية، والوعي التّام بأهميتها، في إطار إعداد الفرد وتنشئته ليكون عضوًا فاعلًا مسؤولًا في المجتمع. فالتربية عملية اجتماعية مستمرة، باستمرار الحياة البشرية، لا تتوقف عند مرحلة عمرية، أو حالة إنسانية، يحتاج إليها المجتمع؛ لإكساب أبنائه المعارف والمهارات والاتجاهات والقيم، كما يتمُّ تناقلها جيلًا بعد جيل، عبر وسائط مجتمعية متعددة.

وتتولَّى الأسرة عملية التربية؛ باعتبارها اللبنة الأولى التي يُعهد إليها تنشئة أفراد المجتمع؛ إذ لا يقتصر دور الأسرة على تقديم الرعاية، وتوفير الحاجات الفسيولوجية الأساسية، بل تتجاوز في ذلك إلى دور تربوي تأسيسي شامل، لكافة مكونات الشخصية الإنسانية، كما تُسهم العديد من العوامل والمؤسسات المجتمعية في العملية التربوية كما يريد لها المجتمع نفسه.

وتسعَى التربية إلى توظيف إمكانات الفرد، والعناية بتطلعاته ورغباته، في إطار المجتمع الذي ينتمي إليه، مع مراعاة خصائصه النمائية؛ لضمان نموه النمو الشامل السويّ، وذلك بما يتوافق ووظيفة التربية الاجتماعية، على اعتبار أنَّ التربية هدفها الإنسان الذي يعيش في مجتمع له خصائص، تختلف من مجتمع لآخر، وعلى الفرد واجبات، كما تقع عليه مسؤوليات.

كما يتمثَّل دور التربية في إذكاء شخصية الفرد: أخلاقيا، ووجدانيا، وتنمية حس المسؤولية لديه باحترام القوانين والأنظمة المجتمعية، وهو ما يُعرف بالمسؤولية القانونية، كما تُعدّ في حدّ ذاتها مسؤولية اجتماعية، تفرض على الفرد الالتزام بقيم وعادات المجتمع، نظير انتمائه له.

ويُعتبر التزام الفرد بما يصدر عنه قولاً أَو فعلًا، مسؤولية أخلاقية بالدرجة الأولى، وتقع عليه مسؤولية تحمل نتائج تصرفاته وسلوكياته، إيجابية كانت أم سلبية. وفي واقع الأمر، فإنه لا يمكن أن يتمثل الإنسان ذلك الشعور، ولا يعكس ذلك الالتزام، عنوةً، أو صدفةً، بل تنمو تلك القيم، وبشكل تدريجي عبر مراحل تنشئته، وتكوينه، ليُصبح مواطنًا مُدركًا لمسؤولياته وواجباته الفردية والمجتمعية.

لذا، فإنَّ على مُؤسسات المجتمع الرسمية وغير الرسمية، أن تقوم بدورها في مساعدة الناشئة على النمو المُتكامل لأبعاد الشخصية: الأخلاقية، العقلية، الجسدية، الوجدانية، والروحية، والذي تجعل منه مسؤولًا عن قراراته وآرائه وتصرفاته، مع ضرورة مراجعة القوانين الرادعة التي تؤطر السلوك، وتحفظ الحق العام، والذي يعكس مجتمعًا متحضرًا في سلوكه وقيمه. وقد جاء في قوله تعالى: "أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى" (القيامة:36).

تعليق عبر الفيس بوك