كرامة المواطن والعدالة الاجتماعية

سالم البادي (أبو معن)

خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وكرمه عن باقي مخلوقاته بأن أنعم عليه بنعمة كبيرة من نعم الله التي لا تعد ولا تحصى ألا وهي نعمة "العقل" الذي جعله يفكر ويبدع ويعمر فجعله خليفته على الأرض، وسخر له كل ما يحتاجه ويساعده في رزقه والعيش بعزة وكرامة، فاكتسب وتحلى الإنسان بسمات جليلة وصفات كريمة ومنها القيم السامية والمبادىء العظيمة، فعرف الإنسان قيمتها وأهميتها فأصبح يناضل من أجلها بعد ما أدرك بقيمتها وأنه لا يمكنه العيش بدونها، فكرامته مرتبطة ارتباطا وثيقا "باحترام النفس البشريه" كونه هو المخلوق الآدمي الذي كرمه الله وأثنى عليه في ملكوته عزّ وجل.

فقدان الإنسان لقيمته وكرامته هي بمثابة خسارته لإنسانيته التى فطرها الله عليه، فإذا فقدها يصبح كالدواب بل أضل سبيلا، بل يتحول إلى وحش لا يفقه ولا يعي ولا يدرك معنى الحرية والإنسانية واحترام النفس البشرية فيعيث في الأرض فسادا ويسرف في القتل والدمار.

إن الثوابت التى يرتكز عليها الإنسان لاستمرار حياته الكريمة تبنى على أسس قوية ومنها القيم والمبادئ والعدل والمساواة واحترام الحريات، والحقوق، فمن حافظ عليها وتمسك بها فقد يصنع له حضارة ومن يتخلى عنها يهدمها ويدمرها.

فالأمم السابقة التى ناضلت من أجل استقلالها ناضلت من أجل كرامتها ونيل حريتها، فلا يجب من أي كائن كان الاستخفاف بشعوبها وسلب حرياتها.

وقبل تمكين مبدأ العدالة والكرامة والحريات لا بد من التخلص من كل العوائق التي تحول دون تحقيقها، ومن هذه العوائق التخلص من كبت للحريات والقضاء على الجهل والفقر والأمراض.

 فالإنسان هو المواطن الذي يبني الأوطان وهو أساس كل تنمية واللبنة الاساسية للعدالة، ولا بد أن ينعم بعيش رغيد وعزة وكرامة، وينعم بالعدالة الاجتماعية التي كفلها له النظام، وعند استشعاره لوجود العدالة الاجتماعية بالمجتمع بلا شك أنه سينعم بالأمن والأمان والاستقرار والاطمئنان.

ووجب التنويه إلى أن هذا التكريم ثابت في حق الإنسان، قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (الإسراء،70)، وهو حق مشروع وملك له، لا يحق له التنازل عنه. ومن تخلى عنه فقد ضلَّ ضلالا مبينا وحاد عن الفطرة الإنسانية، وأنزله منزلة الإهانة والعبودية.

وتحقيق مبدأ العدالة والمساوة بين جميع المواطنين في فرص العمل، وتوزيع الثروات، والرواتب، والحقوق، وفرص التعليم، والرعاية الصحيّة وتوفير المسكن الأمن والملائم وغيرها من الحقوق الأخرى، يجعل جميع أفراد المجتمع بغضّ النظر عن جنسهم، أو عرقهم، أو ديانتهم، يتمتعون بعيش كريم وحياة كريمة بعيدًا عن التمييز والتحيز.

ومن المقومات الأساسية للعدالة الاجتماعية التعايش السلمي، تحقيق الكرامة الإنسانيّة، نشر ثقافة المساواة والتضامن بين جميع أفراد المجتمع، احترام وتعزيز وتمكين العدالة الاجتماعيّة في جميع نواحي الحياة.

ومن التحديات التي تواجه تحقيق مبدأ العدالة غياب احترام الحريات وانتشار الظلم والفساد والمحسوبيّة، عدم المساواة في توزيع الدخل بين الأفراد، عدم المساواة في توزيع الموارد والممتلكات والثروات الوطنية كالأراضي والمباني بين المواطنين، عدم المساواة في توزيع فرص العمل واكتساب الرزق، عدم المساواة في الحصول على فرص التعليم والدراسات العليا، عدم المساواة في توزيع خدمات الضمان الاجتماعيّ والخدمات الصحيّة، وغيرها من التحديات الأخرى التي تمس بالحياة الكريمة للمواطن.

وتعزيز وتمكين العدالة الاجتماعيّة يتم بواسطة نشر الوعي بأهمية العدالة الاجتماعيّة بين أفراد المجتمع، فتح باب الحوار واحترام الرأي الاخر وعدم الإقصاء، دعم المنظّمات والهيئات الخاصة التي تدعو إلى تحقيق المساواة، نشر ثقافة التواصل الاجتماعي والثقافي والديني مع جميع الأعراق والثقافات والديانات المختلفة وبناء علاقات اجتماعية قوية مبنية على مبدأ العدالة، وتقبّل الاختلافات الفكريّة، القضاء على العنصرية، نشر ثقافة التكافل والتعاون الاجتماعي بين أفراد المجتمع بكل شرائحه وطوائفه، عندئذ يصبح مجتمعا واعيا مدركا لمبدأ العدالة والكرامة واحترام الحريات، ولديه الإلمام بمعرفة حقوقه المشروعة وواجباته المنوطة إليه.