علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
القيادة بلا شك موهبة وفن، قبل أن تكون تخصُّصًا وعلمًا؛ لهذا نجد الكثير من الناس قياديين بفطرتهم وصفاتهم وتأثيرهم؛ بل ونجد ذلك حتى في الكثير من المخلوقات؛ لأنَّ القيادة حالة ضرورية ومهمة لتنظيم حياة الأفراد والمهام والقطاعات.
ومن أنواع القيادات المعاصرة: القيادات الإدارية في المؤسسات والوحدات الحكومية، والتي تُكلف بمهام قطاعات بعينها، ويُرجى منها الحفاظ على المكتسبات الايجابية والبناء عليها، وإعادة النظر في العوالق التشريعية والإدارية التي تُعيق الرؤية والإنجاز، والتخلص منها؛ لتحقيق المهام المنوطة بالمؤسسة والمرجوة منها.
وفي سلطنتنا الحبيبة وعدد من الأقطار العربية كذلك، نجد نوعيْن من الوزراء: وزير قائد ومبادِر يسعى للتطوير ومواجهة التحديات والدفاع عن قناعاته ورؤاه، ويسعى لترك أثر وبصمة له على مؤسسته ومرؤوسيه؛ وبالتالي تجده ميدانيًّا وحاضرًا في مفاصل وزارته، وهمزة وصل حيوية وفاعلة بين موظفيه وعملاء وزارته. ووزير آخر بيروقراطي نسخي، يُعيد إنتاج الموروث الإداري لمؤسسته بغثه وسمينه، ويُحيط نفسه بسلتين على طاولته: سلة للبريد الوارد، وسلة أخرى للبريد الصادر، ومابينهما فرَّامة أوراق، ولا يعلم ما يدور في مؤسسته، إلا من خلال ما يُنقل إليه من موظفيه من تصورات واقتراحات وحلول، دون أن يُجهد نفسه لتجاوز تلك الجُدر البيروقراطية لخلق تصورات ورؤى خاصة به.
هناك نظرية في علم الإدارة تقول: إذا ظفرت بتعيين قائد إداري عبقري فلا تدعه في منصبه أكثر من خمسة أعوام؛ لأنه إنْ تجاوز تلك المدة بيوم واحد، فسيقوم بالدفاع عن أخطائه بدلًا من التطوير؛ فالخمسة أعوام يُقسِّمها العبقري إلى فترتين، عامين يتعرَّف فيهما على مؤسسته وطاقمها، فيحدد المطلوب للمؤسسة وكفاءات وقدرات كوادرها ومواقعهم الحقيقية المُفترضة، وما تبقى من زمن مسؤوليته -وهي الأعوام الثلاثة- فيقوم بغرس رؤيته وبصمته الخاصة للمؤسسة لتطويرها والارتقاء بها بكافة مفرداتها: البشرية، والتشريعية، والإدارية.
في ماليزيا مثلًا.. اعتمدتْ الإدارة في رؤيتها وتطلُّعها للنهوض والارتقاء بالتنمية على عنصر "المدير الفاعل"؛ على اعتبار أنَّ المدير هو السلم الإداري الأول لقيادة المؤسسة والتواصل مع العملاء وتحقيق رؤية المؤسسة ودورها التنموي المنوط بها والمرجو منها. لهذا؛ ولتحقيق ذلك المقصد والهدف والطموح، لا يبقى المدير في منصبه أكثر من ثلاثة أعوام لضمان الجودة والارتقاء المستمر؛ كون التطوير لا يتحقَّق بضخ دماء جديدة فحسب؛ بل عبر ضخ عقول جديدة تضفي الجديد وتواكب المستقبل بجدارة واستحقاق.
وحين ينهَمِك المسؤول ويسكب جُل جهده وانشغاله في الأمور الإجرائية والأعمال الروتينية الموروثة له من السلف، ويحصر تفكيره في التفاصيل الصغيرة، فبكل تأكيد لن يجد الوقت للتطوير وترجمة الدور التنموي المنوط بمؤسسته والمرجو منها، وسيخرج من المؤسسة ذات يوم كرقم أُضِيف إلى أرقام عدد المسؤولين الذين تعاقبوا على رئاسة هذه المؤسسة أو تلك فقط لا غير. أما حين يحمل المسؤول رسالة ورؤية وهدفًا، فسيفشي الصلاحيات ويبسطها على جميع العاملين بالمؤسسة كلٍّ فيما يعنيه، وسيحتفظ لنفسه بجهد الإدارة الحقيقية والإشراف والرقابة الإيجابية؛ وبالتالي تحقيق الفاعلية والارتقاء معًا، وتوزيع روح المسؤولية على كافة العاملين بالمؤسسة، دون أي إخلال بالأداء العام لها وبما يحقق الأهداف المرجوة منها بالتناغم مع الطموح العام والممكنات المتوفرة.
---------------------
قبل اللقاء.. قاعدة إدارية وإنسانية مهمة: حين يشعر المسؤول أنَّه أكبر من المنصب، تجده مُتبسطًا ومبادرًا ومنفتحًا على الناس، وحين يشعر المسؤول بأنَّ المنصب أكبر منه تجده متكلفًا وتقليديًّا في فكره وأدائه، ومنطويًا على نفسه.
وبالشكر تدوم النعم...،