جابر حسين العماني
كتبتُ تغريدةً تناقلها الكثيرون، وعلق عليها المتابعون الكرام من مختلف البلاد العربية؛ إذ تناولت فيها ظاهرة دخيلة وغريبة على المجتمع العربي والإسلامي، ولم يكن لها وجود في البلاد العربية والإسلامية، وأصبحنا نراها مع كل الأسف تتكرر بين فترة وأخرى في الداخل الاجتماعي، وهي ظاهرة الاحتفال بالطلاق!!
وقد قلتُ في التغريدة: "كثيرًا ما سمعنا بالاحتفالات التي تقام تحت ما يسمى بأعياد الميلاد وحفلات الزواج ورأس السنة وغيرها ولكن لم نسمع بالاحتفال بالطلاق!! ظاهرة جديدة بدأت تقض مضاجعنا وتهز مجتمعاتنا، مما يدفعنا للتساؤل: لماذا أصبحت بعض النساء تحتفل بالطلاق وتفتخر بذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي؟".
إن من غرائب الأسرة العربية اليوم هو توثيق كل ما يدور فيها، وهو في حد ذاته أمر جيد إذا كان التوثيق يتم بين جدران الأسرة الواحدة، وفي الإطار المعقول والمدروس، ولكن مع كل الأسف أصبح التوثيق المرئي اليوم لدى بعض الأسر العربية لا يمكن إلا بالتشهير، حتى ولو كان المحتوى غير لائق بالأسرة وأفرادها، وإنما الأهم لدى البعض هو استغلال حسابات التواصل الاجتماعي بهدف زيادة المتابعين والمتابعات من خلال افشاء ما يدور بين أفراد الأسرة.
ينبغي للإنسان أن يكون أكثر وعيًا ودراية وحكمة، خصوصا وهو يعيش في القرن الحادي والعشرين، فليس من الصحيح والسليم توثيق اليوميات الأسرية الخاصة عبر برامج التواصل الاجتماعي، وإظهار تفاصيل الأسرة وأسرارها وما يدور بين جدرانها للناس، ولقد أشار أمير المؤمنين ومولى الموحدين الإمام علي بن أبي طالب -عليه السلام- لذلك فقال: "مَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَتِ الْخِيرَةُ بِيَدِهِ".
مؤسفٌ جدًا عندما ترى المرأة المطلقة -وبلا خجل أو حياء- تعلن طلاقها وانفصالها عن زوجها للناس عامة، من خلال منصات التواصل الاجتماعي؛ بل وتُظهر سعادتها بنشر صور الأكلات المختلفة وإظهار الفرح والزينة للجميع، كاتبة بالخط العربي العريض: "فراقك عيد"!
نعم.. قد نقدر الوضع النفسي للمرأة المطلقة ومشاكلها ومحنها مع طليقها، وهذا أمر قد يحصل في كثير من حالات الطلاق ولكن ليس مبررا لها الاحتفال بأبغض الحلال عند الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن "أَبْغَضُ الْحَلاَلِ إِلَى اللَّهِ الطَّلاَقُ"، وقال حفيد النبي الأكرم محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وآله وسلم- الإمام جعفر بن محمد الصادق: "مَا مِنْ شَيْءٍ مِمَّا أَحَلَّه الله عَزَّ وجَلَّ أَبْغَضَ إِلَيْه مِنَ الطَّلَاقِ وإِنَّ الله يُبْغِضُ الْمِطْلَاقَ الذَّوَّاقَ".
الطلاق في أغلب الأحيان يمثل الحزن وليس الفرح والابتهاج والاحتفال والتشهير به، فهو معول هدم للأسرة وشتاتا لأفرادها، ومهما كانت المشاكل الأسرية بين الزوجين من اختلافات وتباعد وتجاف، فإن الدين الحنيف جعل الكثير من الموانع لعدم ايقاع الطلاق بين الزوجين؛ بل وحث على الحوار الهادئ لتسير سفينة الحياة الزوجية على شاطئ الأمن والأمان والاستقرار والاطمئنان، لذا جعل الله تعالى الطلاق من أبغض الحلال، وذلك بهدف الابتعاد عنه من أجل صناعة أسرة متحابة ومتوادة ومنتجة بعيدة عن الفراق والشتات والجفاء العاطفي.
نعم، قد يكون الطلاق أحيانًا حلًا للزوجين، خصوصًا إذا وصل الزوجين إلى مرحلة متقدمة من عدم توفر الألفة والمودة والتسامح بينهما، إلّا أن إقامة الاحتفال بمناسبة الطلاق ليس مبررًا للزوجة أو الزوج، وإذاعة ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ فذلك يشكّل ظاهرةً اجتماعية لا تعد من القيم الاجتماعية التي اعتاد عليها المجتمع والمجتمع في غنى عنها، فلماذا يصر البعض على اقحامها إلى المجتمع؟ لذا ينبغي على المرأة مواجهة الطلاق بالعقل والحكمة والدراية والابتعاد عن التهور والتشفي، وعدم الاعتراف بالعبارة الكريهة والمقيتة التي تقول "فراقك عيد وكل عام وأنت بعيد" والاعتراف بالعبارة الأجمل والأحلى والأكمل وهي: "قربك عيد وكل عام وانت قريب".
إن من أهم الأمور التي ينبغي أن تتحلى بها المرأة المطلقة بدلا من الاحتفال بالطلاق هو الآتي:
- الصبر على الطلاق، وعدم اتخاذه وسيلة للتشفي من خلال برامج التواصل الاجتماعي، فذلك فعل لا يحبذه الباري سبحانه وتعالى ولا المجتمع الواعي، بل ينبذه ويستنكره الجميع.
- الدعاء لله تعالى وطلب التوفيق لبدء علاقة زوجية ناجحة في المستقبل القريب.
- استشارة الحكماء والعلماء في كيفية التعامل مع الحياة الجديدة، وكيفية التعامل مع الأبناء في غياب الأب عن الأسرة.
- استغلال الوقت الكافي في تربية الابناء وعدم السماح لمشكلة الطلاق بالتأثير على الحياة التربوية والأسرية.
وأخيرًا.. ينبغي على مُصلِحِي المجتمع من العلماء والمفكرين والتربويين العمل الجاد على توعية المجتمع من مخاطر الأفكار الدخيلة والمستوردة من تراث الآخرين الذي لا يتوافق مع تراثنا وهويتنا، ونبذها بالعلم ونور الفهم، والإقناع من خلال إقامة المحاضرات والندوات واللقاءات العلمية التي من خلالها تتم عملية توعية المجتمع وإخراجه من الظلمات إلى النور.