كيف ننظر للمنصب؟

 

صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد

 

لا يجب أن نركن للمناصب والتعويل عليها لمنحنا الشهرة والمال والسلطة المطلقة العامة؛ فالمناصب تختلف في النظرة إليها، وليس كما كانت عليه سابقًا، ومن يتعين فيها ويجد نفسه يطير من الفرحة وكأن أبواب السماء فُتحت له دون انغلاق فهو مخطئ، والذي يشغل تفكيره من اليوم الأول لتعيينه في كيفية الحصول على المنافع المتنوعة من هذا المنصب فهو في ضلال!

المناصب لم تعد كما كانت، ولا يجب أن يرتجي صاحب المنصب المنافع إلا ما يحصل عليه من راتب، والأفضل أن لا يسعى للاستفادة من منصبه ماديًا ومعنويًا؛ فهو مراقب ومحاسب، وتعيينه جاء لخدمة يؤديها لهذا المنصب، ولا ينتظر من المنصب أن يخدمه؛ بل هو من يجب أن يخدم المنصب.

والذي لا يقدم شيئًا في الوظيفة خلال عدة سنوات قصيرة من تعيينه؛ فبقاؤه في المنصب لا فائدة منه ولا مرتجى؛ وليأتِ من يطوِّر العمل ويُصحِّح المسار ويحقق الإنجازات؛ فالمسؤولية تعني الأداء والعطاء وبذل الجهد. وكذلك هؤلاء الذين يقدمون للمنصب العمل المطلوب بمبادراتهم وأفكارهم، لا يجب أن يستمروا لسنوات طويلة أزلية؛ بل يُعطوا المجال لمن يأتي بعدهم، فالإداري له حدود في العطاء الفكري والتجديد ويصل إلى مرحلة يكرر فيها نفسه دون تقدم يذكر في الأداء الوظيفي، بينما العمل يتطلب التقدم للأمام والتجديد في الأفكار.

والمناصب مسؤولية وتكليف للتطوير، والجميع يتقاضون راتبًا على عملهم؛ سواء كانوا موظفين بمناصب كبيرة أو صغيرة في درجاتها، ولا بُد أن يخدموا عملهم بفعالية ويقدموا شيئًا جديدًا أثناء توليهم المنصب، وإلا لا جدوى من وجودهم ولا نفع من بقائهم.

وهؤلاء أصحاب المناصب اذا وعوا أنهم أتوا لخدمة العمل وليسوا لشيء آخر، فسيجعلون نصب أعينهم الإجادة فيه وتحسينه وتطوير أدائه. وكما جاء تعيينهم بقرار جاء تعيين المسؤولين دونهم بقرار أيضًا، وهم شركاء في المسؤولية لخدمة الوطن لا تابع ومتبوع وآمر ومأمور.

أما هؤلاء المسؤولون الأقل درجة وظيفية لا يجب أن يجعلوا مخافة غضب المسؤول المباشر عائقًا في العمل، طالما أن لديهم إيمان بأن ما يقومون به من عمل يمضي في المسار الصحيح. وكذلك لا أن يعملوا حسب ما جرت عليه العادة؛ إذ يمكن تقديم ما هو جديد؛ فالمعتاد كان جديدًا سابقًا قدمه أحدهم وأصبح الآن قديمًا، ويتطلب الأمر تجديده أو الاتيان بغيره أفضل منه، يتوافق مع المرحلة الجديدة لضمان التقدم مع الأوضاع الحالية والمعطيات المتوفرة.

وإذا لم يعمل المسؤول شيئًا إلا ما هو معتاد، فسيبقى الحال على ما هو عليه حسب المعتاد. وإذا لم يتحرك شيئًا لا يتغير شيء، ومن يرغب أن يعمل لإرضاء المسؤول في عمله من أجل السلامة من شره ومكائده، فلن يحقق شيئًا لصالح العمل، بينما هناك القانون الإداري الذي يحمي الموظفين من شر مسؤوليهم اذا لحقهم أذى دون حق.

لذا لا بُد من المسؤول الخائف المتردد الذي لا يعمل إلا باستئذان مسؤوله، أن يتحلى بالشجاعة لصالح العمل وأن يعتبر نفسه مؤتمنا على مسؤوليته وحافظًا لها، تم تكليفه بها لإدارة تنمية العمل وتطويره لا أن يكون زينة وسطيّة وسِيطَة مشلولة، عمله التوقيع تحت عبارة "يرجى التوجيه" أو "لطفًا لعمل اللازم"، إضافة إلى حضور الاجتماعات والمناسبات!

كما لا يجب على بعض المسؤولين استخدام المنصب للظهور والشهرة أو التفاخر أمام الناس، وأي خبر بسيط عن المؤسسة يسعى المسؤول أن تظهر صورته على الخبر.

نحن لا نمجّد المسؤول ونقدمه رمزًا لمؤسسته؛ بل نثني على العمل المقدم بسواعد هؤلاء الموظفين المجهولين خلف الكواليس، الذين لم يُذكر لهم ذكرٌ، برغم جهودهم المضنية وهم بعيدون عن الواجهة. أما أن يظهر المسؤول عند كل شاردة وواردة مصحوبًا بالكلمات الممجدة لشخصه، فهذا الذي من الممكن أن يضخّم الذات لدى صاحب المنصب ويجعله بعيدًا عن الواقع المُعاش؛ فيبدأ بعضهم بالنظر إلى الآخرين بدونية، معتقدين أنهم حصلوا على المنصب بقدراتهم وإمكانياتهم الوظيفية وذكائهم، والعمل الذي تم ما كان ليتم لولا جهودهم!

أما وجود هؤلاء بالمنصب، فلا يعني أنهم الأفضل، وإنما وقع عليهم الاختيار في هذه المرحلة من العمل، كما سيقع عليهم الاختيار للرحيل كما جاءوا، وسيتم فيما بعد اختيار من سيأتي بعدهم، والجميع بالإمكان الاستغناء عنه دون تحفظ والإتيان بالبديل.

والذين لا يعطون العمل حقه فهم يسارعون في زوالهم من الأماكن التي تعينوا فيها؛ فالأجواء العملية للمنصب لا تعرف المجاملات، ولا توجد اعتبارات في الوظيفة إلا اعتبارات ما يُقدم من خدمة من المسؤول لمسؤوليته.

إن من لا يستحق المسؤولية التي ولي عليها، ولا يقدم شيئًا من خلال تعيينه في موقعه فلا مبرر لبقائه؛ لأن هناك الكثير جاهزون للمهمة، بقليل من البحث والاستقصاء يمكن إيجادهم بالمعايير المطلوبة من خلال مؤهلاتهم وخبراتهم واختبارات عملية يتم إخضاعهم لها، من أجل خدمة الوطن.