ناجي بن جمعة البلوشي
يقوم بعض موظفي الدوائر الحكومية بفن خاص فيهم؛ فيه من الدهاء والعبقرية ما لم يلحق به أي نهج من مناهج المراقبة والتحقيق، ومنهم من هم في وزارة العمل، أنه منتشر في دوائر ووحدات حكومية متعددة إلا أننا هنا نضع هذه الوزارة كونها مهمة ومختصة بتأهيل وصقل مهارات الموظفين العموميين في كل الدوائر الحكومية المدنية، وما ينتج من انعكاس الإنتاجية فيها، ولما له من عواقب على المجتمع العماني والاقتصاد الوطني ككل.
هذا الفن هو أفضل أنواع فنون تعطيل الأعمال وبمستويات مختلفة؛ فبعضه يمارس على الشركات الصغيرة والمتوسطة بهدف سحقها من السوق لقلة المصالح المرتبطة بين الموظفين، وتلك الشركات أو لأسباب أخرى غامضة لا نعلمها لكننا هنا نقنع بسبب واقعي -على الأقل- لملاحظتنا له في الواقع؛ فكثير من الموظفين الحكوميين ملاك لعدد كبير من السجلات التجارية المستترة، لذا فإن التعاون مع الشركات الصغيرة يسبب لهم الكثير من التنافسية في السوق؛ فتجد مثلا محالّ بيع شواء اللحوم مقابلة لعربات العمانيين بائعي المشاكيك (نفس المنتج) أو ملاحظة وجود محل بيع الخضروات والفواكه بالجملة ملاصق لمحل بيع الخضروات والفواكهه بالمفرد (تم توطينه). وهناك من مثل هذه الأمثلة كثير إذا ما أردت أن تبحث عنها وهو ما لم يكن من باب الصدفة إطلاقا، أما في جانب معاملات الشركات الكبيرة فهي مرهونة بالمصالح والشراكة والدفع بالأعمال معها فإذا لم تكن كذلك كانت في قلب الفن النابض.
ولأنهم لا يغيرون في القانون واللوائح والنظم؛ بل يقومون فقط بعمل الواجب عليهم بمعايير مزدوجة تتنوع بين- تغليب المصالح أو تغليب القانون- فالمستثمر بين إحدى هذين المعيارين واللذين يظهران على الموظف ببساطة وسلاسة وتمرس؛ ففي تغليب القانون يوضع القانون واللائحة المنظمة ضد كل شيء بداية من بوابة الموظف إلى نهاية اجتماع المدير. أما طريق تغليب المصالح فيضعون كل اللوائح والاشتراطات الصريحة والنظم والآلية المتبعة بيد المستثمر أو طالب الخدمة لا أكثر؛ ففي الأولى هناك صدمة وفي الثانية هناك سلاسة ويسر. وعلى الرغم من الجهد المبذول من قبل الجهات الحكومية في إجتثاث الفساد، إلا أنه باق كما هم باقون في مناصبهم وعلى طاولاتهم فلا يمكن لمراقبي جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة التوصل إلى ثغرة في الأداء الوظيفي لأن القانون واللوائح المنظمة موجودة في كل معاملة (المقبولة أو المرفوضة)، ولأن هذا شأن خاص بالجهات المعنية وهي أولى بالتحقيق فيه، ومؤكد بأن معها كل الممكنات والأدوات اللازمة لإنجاح مراقبتها على الموظفين بالدوائر الحكومية، فكل ما يهمنا هنا أن سلطنة عمان كدولة أمام باب كبير من أبواب تنشيط التجارة المستترة، ووسيلة من وسائل إغراق السوق بالسجلات الوهمية والعمالة السائبة من جديد، وهو ما يخلق بعدها التحديات الاجتماعية ومنها التركيبة السكانية والمشاكل الاجتماعية المختلفة يتبعها التقارير الدولية من المنظمات الدولية الإنسانية لما وصل إليه أولئك العمال الذين لا حول لهم ولا قوة سوى غلبة وقهر الحياة المعيشية، أو أنها أمام باب أكبر معنى بجذب الاستثمارات وتمكينها وضمان استمراريتها، لهذا فإن الاعتماد على ضمير الموظف ونزاهته وقدرته على الأداء لم تعد كافية كما يظن بها أصحاب القرار ولا بد من الاحتكام إلى الشفافية فيما يراد لكل معاملة، هذا لأن وجود عدد كبير من العمالة الوافدة دون حاجة حقيقية يؤثر على السوق الاقتصادي والقوانين والقرارات التالية. فلا يختلف اثنان على أن بوجودها وكثرتها ستشكل تحديا كبيرا لكل المستثمرين لانعدام التنافسية، ونشأة تشوهات السوق، يتبعها قوانين طاردة للبيئة الاستثمارية التي بالعادة تقدر العدد لا الطريقة التي أوصلت العدد، وبدورها تخنق الاقتصاد وتضعه في تفاصيل التعقيد كلما زادت نسبة العمالة الوافدة بالسلطنة ومثالها ما أغلق السوق سابقا متأثرا بالقرارات التي لا تعد ولا تحصى، وبها بدء هروب الكثير من الشركات عن السوق العمانية لتظل تتقاسم منه حصة مناسبة بإدارتها الأعمال من أقرب منطقة جغرافية حدودية للسلطنة وعن طريق كل الوسائل الحديثة المتاحة.
والخيارات أمام المستثمر في القضاء على فن تعطيل الأعمال محدودة؛ وهما حالان: إما الخضوع أو الاستسلام للواقع؛ فالمستثمر ليس مسؤولا عما يحدث في الدوائر الحكومية، لكنه في الوقت نفسه مسؤول عن إنجاح مشروعه. لهذا فإن كان خياره الاستسلام، سيبحث عن كاسرالشفرة ومن لديه مفتاح الحلول متجاوزًا به كل العقبات والسدود المحيطة بأعماله، فيدفع له أو يقوم بتفويضه مدير مفوض أو يشركه في مشروعه القائم أو يتنازل له عن منصب قيادي في الشركة لأحد أقارب الموظفين المتعاونين. والخيار الثاني هو الاستسلام والخروج من السوق، إذن هي طريقة شائكة للتعامل باحترافية في جذب الاستثمار وتمكينه وضمان استمراريته من أجل توسع الاقتصاد بالاستفادة من التسهيلات الحكومية في تحفيز وتعزيز الاستثمار في سلطنة عمان.
إن من يقومون بهذا الفن الغامض لا يهمهم مصلحة البلاد وقد تضافرت جهود كل الجهات الحكومية الأخرى في السعي لجذب الاستثمارات، وإبداء الرغبة الحقيقية بالنهوض بها في السلطنة، ورفع أعداد المستثمرين وتشجيعهم وبذل كل ما هو متاح لترغيب المستثمر وضمان الاستمرارية له بوجوده في السوق أيا كان هو محليا أو دوليا.
وهنا لا يسعنا إلا أن نضع الداء وأملنا في الجهات المختصة بالتنور لمثل هذه التصرفات وإيجاد الدواء لتلك التصرفات التي ربما قد تكون فردية لكنها مؤثرة على القرارات التالية المرتبطة بكل النواحي الاجتماعية والاقتصادية للدولة. هذا المثال موجود أيضا في الجهات المرتبطة بالاستثمار وخدماته والتفكير في وضع نهاية له أو لمثل هذه التصرفات واجب؛ فوضع كل ما تتطلبه القوانين واللوائح المنظمة من مستندات ومتطلبات وأوراق وغيرها على بوابة الوزارة الإلكترونية لأي معاملة وبشكل مبسط وواضح وضوحًا صريحًا كافيًا للجميع، أيًّا كان؛ مراجعا أو موظفا أومديرا أو مسؤولا؛ فسلطة القانون والنظم المتبعة مقدرة بكل الأحوال، أما أن تكون تلك المطلوبات مبهمة، ولا ترتقي لمستوى المعرفة، وبيد موظف يتحكم بتوجيهها لمن أراد ورغب، فهذا لا يمكن القبول به.