تأملات في الفكر الإسلامي

 

سعيد أحمد بخيت المعشني

لا ريب أن مجيء الإسلام يُعدّ البدأة لنظم عقائدية ومبادئ اجتماعية جديدة انتشت الإنسان من براثن الجاهلية إلى الدين القويم فإن المراد من القويم التنظيم والتقنين والتهذيب لكل أمر معوج في حياة الجاهليين من خلال إرساء المثل والتعاليم الربانيّة من وحي سماوي عبر نبي مرسل إلى العالم برمته؛ فكان دليله القرآن يهدى به الناس إلى طريق الحق؛ حيث كانوا الصحابة يمتثلون ما أمروا به وينتهون عما نهوا عنه؛ فإن غاية كل مؤمن آنذاك إعلاء كلمة الله بشتى الطرائق والوسائل لنشر الدعوة إلى الإسلام فلم يرجع سبب نجاح الدعوة إلى كثرة أعداد المسلمين أوكثرة أموالهم، بل كانت القوة الحقيقية تعزى إلى قوة المبادئ والمعتقد.

وفي الوهلة الأولى من مقالي هذا أنبّه أني لا أدعو إلى أي توجه ولا أبتغي سوى خدمة الفكر الإسلامي بحرية تامة فلست بصدد الترويج لشخصية معينة أو أدعو إلى اعتناق رؤى بعينها ولا بصدد إثارة الجدل إنما أريد تسليط الضوء على الصراع المهم بين المبادئ والمعتقدات.

في الحقيقة لفت انتباهي سؤال المفكر والأديب العربي سيد قطب "إلى أين نحن نسير؟"؛ سؤالٌ في فصل مفترق الطرق في كتابه "العدالة الاجتماعية في الإسلام". زعم أن سؤاله يعد توجيها لحياتنا لنتجه من سؤاله إلى الاتجاه الذي نريد، فلقد وصف العالم سابقًا كما هو اليوم منقسما إلى كتلتين كبيرتين: كتلة الشيوعيين في الشرق وكتلة الرأسمالية في الغرب، فلقد كان محقًا في وصف الصراع؛ إنه الصراع على المصالح- كما قال- لا على المبادئ؛ فإنه صراع من أجل الثروات مثل: السلع والنفط والمعادن لا على العقائد والأفكار.

وتعزى أسباب الصراع بين الكتلتين إلى التفكير المادي الصرف؛ فإن الأخلاق والمثل العليا تسخر من أجل المنفعة مما يدعو إلى التناحر والتصادم بين القوى في العالم؛ فالصراع قوي وعنيف وخدّاع بين كتلتي الشرق والغرب حول الفكرة المادية في الحياة فليس بصراع على المبدأ أوالمعتقد، بل على النفوذ كما هوحاصل في الآونة الأخيرة.

فإن رؤية سيد قطب أن الصراع الحقيقي العميق بين الإسلام والكتلتين؛ بسبب شمولية الإسلام وتأثيره على الحياة في مختلف مجالاتها؛ لأنه الدين الروحي الحق و القوة الحقيقية التي ستصادم الكتلتين بضراوة بدافع تحرير العباد من عبودية الأنظمة في الأرض إلى عبادة الله وحده بيد أن الفكرة المادية المتنازع عليها لم يسلم من مخاطرها حتى المسلم، وكأن الحكمة من وجودنا في زماننا جمع المال في الحياة بلا فكر مرسوم؛ فأصبح الفكر المادي يسيطر على الإنسان دون توازن يذكر بين الجانبين المادي والروحي، وهو الذي يعول عليه التوجه إلى غايات أسمى من المال في التمسك بالمبادئ والمعتقدات والتي تعد عنصرا مهما لتحقيق التوزان بين المبدأ والمعتقد من جانب، والمال من جانب آخر.

بلا شك ليست الغاية من الإسلام الحفاظ على المصالح الدنيويّة بقطع النظر عن الاعتقاد والمبادئ؛ فإن قلة الاهتمام بالمبادئ والعقائد يولّد ضعفا خطيرا ووهنا مستديما؛ لأنها أسس مهمة لقيام الحضارات؛ ولهذا فإن الأمم المتمسكة بمعتقداتها هي الأقوى تأثيرا، والأوسع نفوذا، والأحرى أن تُخضع الجميع كما أخضع الإسلام كل العالم بقوة مبادئه ومعتقداته وختاما أقول بإن سلاح المبادئ والمعتقدات أشد قوة من المال.

تعليق عبر الفيس بوك