عُمان وزنجبار.. تاريخ عريق ومستقبل واعد

 

د. سليمان المحذوري

abualazher@gmail.com

مُنذ القدم والسفن العُمانية تمخر عباب المحيط الهندي طولًا وعرضًا شرقًا وغربًا، ولا يختلف اثنان على أنّ العُمانيين عرفوا وجهتهم الاقتصادية ومنذ زمن مبكر جدًا، وكانت الصحراء حاجزًا تحول دون الولوج إلى داخل الجزيرة العربية؛ فيما كان البحر يفتح ذراعيه على امتداده، لا سيما وأنّ عُمان تمتلك سواحل طويلة تمتد آلاف الكيلومترات على بحري عُمان والعرب.

وكانت الخبرات العُمانية البحرية حاضرة في ترويض مياه المحيط الهندي لفائدتهم وتحقيق مآربهم. حيث وصلت سفنهم إلى الصين شرقًا، وجنوبًا انسابت مع حركة الرياح الموسمية الشمالية الشرقية إلى موانئ الشرق الإفريقي ابتداءً من الصومال مرورًا بكينيا وصولًا إلى زنحبار المحطة الرئيسة للسفن. وبعض السفن تواصل رحلتها إلى جزر القمر ومدغشقر أو جنوب أفريقيا في بعض الأحيان. وبعد مكوث هذه السفن بضعة أشهر في تلك الموانئ، ونجاح عملياتها التجارية تعود في فصل الربيع إلى عُمان مع الرياح الجنوبية الغربية.

وعندما نذكر زنجبار؛ فإننا نستذكر معها بلاد السواحل كما سمّاها العُمانيون، وتستذكر الجزيرة الخضراء ومتوني، وقصر العجائب، وشجرة القرنفل، واللغة السواحلية، ونستذكر حملات الإمامين سلطان بن سيف ونجله قيد الأرض لتحرير ممباسا وزنجبار من القبضة البرتغالية، ونقل السيد سعيد بن سلطان لبلاط ملكه من مسقط إلى زنجبار التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الإمبراطورية العُمانية؛ الأمر الذي أدى إلى نشوء علاقات اجتماعية وثقافية مميزة بين الجانبين ما زالت باقية إلى يومنا هذا.

ومن سنن الله في أرضه التبدل والتحول "وتلك الأيام نداولها بين الناس"؛ حيث غادر آخر سلطان من دولة البوسعيد زنجبار عام 1964 بعد الأحداث المؤسفة والأليمة التي شهدتها الجزيرة الوادعة لأسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها في هذا المقال. وبالتالي ليس من الحكمة البكاء على اللبن المسكوب، واجترار الماضي والتغني به فنحن أبناء اليوم. وما يهمنا الآن أنّ هنالك علاقة خاصة جدًا بين عُمان وزنجبار، وعلاقات مصاهرة فحتى اليوم حركة السفر بين الجانبين لم تتوقف، وهنالك أسر عُمانيّة كثيرة جزء منها هنا، وجزء آخر متوزع على بلدان ومناطق إفريقيا الشرقيّة، وعلى وجه الخصوص جمهورية تنزانيا. كما أنّ النسيج الثقافي متشابه إلى حد كبير إن لم يكن متطابقًا في بعض النواحي. وهذا يدعو وبقوة إلى ضرورة البناء على هذا الإرث التاريخي، واستثمار البعد الحضاري بتأسيس شراكة استثنائية بين الجانبين، وفي مختلف المجالات لفائدة الشعبين في كلا البلدين.

وإن كان ثمة فراغ سيسده آخرون بكل تأكيد؛ وعُمان مؤهلة أكثر من غيرها بفضل ما تملكه من أدوات ناعمة؛ لتأسيس شراكات متفردة مع كافة دول شرق إفريقيا بلا استثناء؛ من خلال تمتين الصلات مع هذه الدول بشتى الوسائل، والحضور العُماني القوي، وتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية بما يحقق تطلعات سلطنة عُمان الحالية، ورؤيتها المستقبلية.