الدين العمل والقدوة الحسنة

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

تبنت بعض المجتمعات، ولفترة طويلة من الزمن، التنظير والحديث وإطلاق الأحكام على مختلف المشاهد والأحداث وحتى ما يمكن أن يكون في اليوم والغد، وما سيكون بعد الحياة، وإلى هنا فقد يكون الأمر مقبولًا؛ لأن الراسخين في العلم ينطلقون من معرفة وقراءة واقعية ودينية صحيحة، غير أن ما هو غير مقبول أن تكون هذه الصفة سلوكًا؛ بل واقتناعًا مطلقًا بمصداقية لا مراجعة فيها ولا مشاركة من أي من كان.

الصعوبة الأكبر أن هذه الصفة أوحت إلى متبادليها أن هذه المجتمعات- ولنفس السبب- هي من أفضل المجتمعات على مستوى العالم؛ بل إنها لا تقبل أن تكون على جانب من الأخطاء في بعض الجوانب لتقوم بتصحيحها، واقتنعت أن أي خطأ أو تخلّفٍ أو حتى الاعتماد على العالم في كل شيء بمثابة أمر طبيعي؛ إيمانًا بالأفضلية من خلال الحديث وتبادل المعرفة المطلقة، والتي قد لا تتعدى في جوانب منها الحديث، ليس أكثر. أما الدليل القطعي لأي متابع أو مفكر أو مطلّع أن الواقع والقوة أو الضعف الذي تعيشه أي أمة هو نتاج ذلك التوجه والسلوك الذي تطبقه في يومياتها وارتضته لنفسها سبيلًا.

جمعتني الصدفة يومًا بزوجين من ديانتين مختلفتين ينتظران مولودًا؛ ولأنني من مجتمع يؤمن بالحديث في كل شيء بأسرع مما يجب وفتح حوار صريح عن السلوك والحياة، حتى أتت الفرصة الأكثر مناسبة لأسأل عن مستقبل الطفل الذي ينتظرانه بكل شغف، وهل سيكون على ديانة الأب أم الأم؟ وكانت المفاجأة لي، أنهما كانا متفقين وبكل وضوح على ذلك وبطريقة مبتكرة ارتضياها دون أي إحراج أو تعصب لأي طرف، أو حتى تدخل؛ فلقد كان اتفاقهما وبكل وضوح أن يُترك للطفل اختيار الديانة التي يراها مناسبة له، لكن شريطة أن تكون إحدى ديانات والديه، وذلك من خلال مراقبة سلوك وعمل وعبادة الوالدين، وكيف أنه سيرى في واحدٍ من والديه ما يناسب رؤيته التي يتمنى من خلالها أن يكون فاضلًا محترمًا مقبولًا في الدنيا والآخرة، ومن خلال ذلك له حرية الاختيار.

لا شك أنني وقفتُ مذهولًا ليس من إيماني وشعوري بأنني أتمنى أن يكون الولد مسلمًا، غير أنني لا أملك القرار أولًا، ثم إنني أمام قوميات وبشر لهم رؤيتهم وواقعهم الذي لا يترك لي أي مجالٍ للحديث عن هذا الأمر، فهم -كما يؤمنون- يرون أن السلوك وحده كفيل وسبب لنجاح أبنائهم. ومن هنا أدركت وبكل وضوح، كيف يقرأ الآخرون سبل الحياة، وأننا نتحمل اليوم كمسلمين أمانة العمل بكل ما أنزل الله وما شرّع ديننا الحنيف، وعلينا اليوم قبل الغد أن نبدأ العمل على مسارات مختلفة وبالقدوة الحسنة والصحيحة من خلال العمل الصالح، وأن نكون بين بني البشر واجهة في كل عمل وإبداع، وأولها أن نكون من أهل الأمانة والخلق والعمل والصدق والإبداع في العلم والصناعة والزراعة. وعندما نتحدث عن ديننا الحنيف، يجب أن يكون العمل واجهة ما نتحدث عنه بالشواهد والحقائق، وأن نخوض مع العالم تحدّ الحياة بأفعالنا وليس بأقوالنا، حينها سنكون في المسار الصحيح.