على ضفاف الواقع والأحلام

 

فاطمة الحارثية

 

هل حقق جيل السبعينات أهدافه المرسومة؟ وهل اتسقت مخرجاته باستراتيجيات كانت على عاتق جيل الثمانينات؟ وهل على جيل الألفية غزو الفضاء؟! أم مازلنا نحقق أحلامنا على أرض الواقع لا الفضاء.

يقول بيتر دويل "أهم ما في التواصل سماع ما لا يُقال"، ربما لا نفهم ما يُقال، وربما لا نتصور ذلك أو حتى لا (بارض) لدينا؛ فقد كثر الكلام وعبثت النفوس بالمعنى، فأصبح الناس يتبعون أول مفسر للقول؛ لكي لا يبذلون أي جهد لأوجه القصد وعمق الاستفادة. قد نتفق على استحداث جديد وقد نتفق على الخطط والاستراتيجيات وحتى الميزانية، ولكن ما يُشتتنا أننا لا نتفق على النهج وتوزيع حصص الأداء والمسؤوليات، معا على طاولة وغرفة مكيفة وضد بعض على الميدان عند المسؤولية وتحمل ثقل العمل.  

يتبع البعض منظومة أو استراتيجية تجميع قطع أي لعبة، تجميع الصور المبعثرة؛ فالصورة الكلية والخطة الشاملة لا يعلم عنها إلا النخبة وشعبٌ مُختار؛ فالأجندة شيء سري وليس على الأفراد الفهم، عليهم فقط التنفيذ. يستلذ الكثير منا بهذا النظام حتى لا يتحمل أي وزر ولا يُتعب عقله في العمل، بيد أن الطبيعة التي مُنحت لنا تختلف من شخص إلى آخر؛ فثمة أناس لا يُجيدون العمل ما لم يفهموا لماذا وأين ومتى وكيف وغيرها من الأمور، التي يتصل بها ليشحذ عزيمته ويُقدم أقصى الجهد، والأداء الذي يفخر به. نحن لسنا مثل بعضنا البعض، ولا يُمكن أن يتم ممارسة ظلم التعميم على الناس كافة؛ فنحن نُكمل بعضنا البعض ونشد عزمنا بالاعتصام بحبل ما نؤمن به، ونسعى له، وخاصة إذا كان من أجل الصالح العام ونفع الجماعة.

واقعية الأهداف تجعل المستحيل ممكنا، ربما يرى البعض أن هذا القول سلبي ولا يحمل أي طموح، ولكن لنتفق على أن الأحلام لا تحقق الطموح، بل الأداء الواقعي ذو النتائج الملموسة، هي التي تحقق الاستدامة، وهذا يقودنا إلى تحقيق الحلم ولو بعد حين. الكلمات كثيرة والأحلام مجانية والخيال جامح، ولكن يتبعثر كل شيء على أرض الميدان، حتى بالكاد نجني الثمار ونجد متسعًا لتقييمها من أجل التطوير. بات من المؤسف أن صاحب الفكر المتقد يتردد في المشاركة حتى لا تنهشه ألسنة الناس، في حال حدوث كبوة قبل خط النهاية، حتى إنني أسمع كثيرا ممن أحترمهم من حولي يرددون "ما الفائدة من الاجتهاد، إنهم سلبيون؛ ألسنتهم كالسياط - ناس لا تستحق جهدنا-". إن عُمان وأهل عمان يستحقون كل جهد، مهما كان الأمر مادام الهدف عموم الفائدة، وليس نيل شكر من لا يعرف معنى تلك الكلمات، عندما يكون الهدف عامًّا، ومن أجل غد أفضل حتى وإن لم نكن فيه؛ فأطفالنا وذريتنا سوف يكونون حاضرين، فأجهد للمستقبل أطفالك مثلما تجتهد في شؤونهم الآن. بيئة الغد تعتمد على سلوكنا اليوم. اقتصاد الغد يعتمد على جهدنا اليوم، رخاء أبنائنا وبناتنا على عاتقنا، عند إدراكنا لذلك سوف يكون الصباح أجمل؛ لأن شعورنا يحمل أمل الغد، ويتجاوز صبر اليوم.

سمو...

الرعوية أنهكتنا، وسلبت الكثير من استقرار ورخاء اليوم. تنفيذ الأوامر دون الإيمان والثقة بالهدف لا يأتي بالنتائج المتوقعة، فليتحدث من عليه الكلام، ولا يتردد من رد فعل طالما أن حديثه موزون، وفكرته واضحة، ومن طلب بقلب صادق لا بد أن يُجاب له.