خليفة بن عبيد المشايخي
جعل الله تبارك وتعالى هذه الحياة الدنيا محطة عبور لا مقر خلود، وجعلها دار فناء لا مكان بقاء؛ فكلنا عنها راحلون ومسافرون ومغادرون، تاركين ما أنعم به الله تعالى علينا، من مال وولد وثروات وجاه ومنصب اجتماعي، وملك ووظيفة وسلطة، وراء ظهورنا، ولن يتبعنا أحد مما تقدم ذكره، إلا عملنا الصالح فقط. يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله، يرجع اثنان أهله وماله، ويبقى عمله، فما هو كان العمل يا ترى طوال ستين أو سبعين سنة؟ وقليل من يتجاوز منَّا ذلك.
فيا قارئي الحبيب حينما ننظر إلى أحوالنا ونفوسنا، هل هي نفوس لوامة أم مطمئنة؟ أو هي أمارة بالسوء والدعة والجهل والتكاسل عن العبادات والطاعات؟ وهل نحن أعددنا لسفرنا الطويل بعد أن تفيض الروح إلى خالقها شيئا مما يرضاه -تعالى- عنا؟ فإننا سنجد التقصير لا محالة.
قارئي العزيز.. أنا بنفسي ضعيف، وأنت بنفسك ضعيف، فأنا وأنت بين أربعة؛ الدنيا والنفس والهوى والشيطان الرجيم، وكذلك الزوجات والبنات والأولاد، فالخلاص من هذه الأربعة، لا يتم إلا بتصبير النفس في مجالس الذكر والإيمان حتى يتشرب هذا القلب مرارا وتكرارا قول الله عز وجل وقول رسوله الكريم، "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".
إن الاستعانة بالصحبة المُصلحة وليست الصالحة، يدفعنا إلى التحلي بالقوة التي تدفعنا إلى الانتصار على الذات السيئة، وعلى تلك المسببات الأربعة الجالبات للذنوب والمعاصي -إن اتبعناهن- ولا يتحقق صلاحنا وصلاح زوجاتنا وبناتنا وأولادنا، ومن ثم المجتمع بأكمله، إلا بالتمسك بالأصحاب المصلحين، والذين يأخذون بأيدينا إلى بيئات الدين والإيمان، فليس كل صالح مصلح، ففاقد الشيء لا يعطيه، وليس كل صالح يعنيه أمر المسلمين وغير المسلمين؛ فسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- هو قدوتنا، ومن يجب التأسي به، فقال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه، ما يحبه لنفسه"، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فقد كان يرى غاديا ورائحا مهموما، فيسأل صلوات ربي وسلامه عليه: "ما لك يا رسول الله نراك مهموما"، فيجيب: "أمتي أمتي".
لقد أمرنا المولى- عز وجل- بالاستقامة، فقال -جل جلاله: "استقم كما أمرت"، وبعد ذلك قال: " قووا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة، عليها ملائكة غلاظ شداد، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون"، فكيف إذا سنقي أنفسنا وزوجاتنا وبناتنا وأولادنا وأمهاتنا وآبائنا وإخواننا، من النار -أجارنا الله منها جميعًا- إذا نحن لم نبادر ولم نتحرك ولم نجتهد على أنفسنا؛ فالله تعالى يقول: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ".
فالإنسان شبيه الماء؛ إن وضعناه في فريزر الثلاجة لمدة نصف ساعة -مثلا- نجده قد تجمد، وإذا أخرجناه ووضعناه خارج الثلاجة في المدة نفسها، فإن الثلج سيذوب وسيكون ماءً؛ فالسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي جعل الماء في الأولى يتحول ثلجا، وفي الثانية صار ماء؟ إنها البيئة -يا قارئي العزيز- نعم البيئة، التي عاش فيها الماء بحالتين مختلفتين.
أيها القارئ الحبيب، جاء الصيف وجاءت معه الإجازة لأبنائنا الطلاب، فماذا أعددنا لهم ولنا في هذه الإجازة.
إن الصيف حينما دار علينا ووقعنا فيه وعشناه واقعا، لا يعني أن نحزم حقائبنا وأمتعتنا، ونيمم شطر الشرق والغرب للتنزه والسياحة، فالنزهة والسياحة، نعم مطلب للترفيه والراحة والاستجمام، ولكن ينبغي أن نجعل منها نصيبا للمولى -عز وجل- ودينه الإسلامي الحنيف، وإعطائهم كل الوقت.
أيها القارئ الحبيب.. الله تعالى الذي خلقنا من العدم، ويغفر ذنبنا ويستر عيبنا وكل يوم يرزقنا ويعطينا ويغدق علينا من خيراته ونعيمه، ألا يستحق النفرة إليه ونصرته، ونصرة دينه والدعوة إليه، ورحمة من هم على غير الإسلام، ألا يستحق أن نعظمه تعالى في تذكير الآخرين به، وإنه لا معبود بحق إلا هو.
ولقد أنعم المولى -عزَّ وجلَّ- علينا بنعم كثيرة، وفي إجارة هذا الصيف يجب أن نسافر إلى بيئات الدين والإيمان مع جماعة الدعوة والتبليغ..
فهل من مشمر؟!